- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مشكلة العقارات في دير الزورمدخل إلى التغيير الديموغرافي في المحافظة
أصدر نظام الأسد، في منتصف شباط، القانون رقم (3) لعام 2018، الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية وغير طبيعية، أو خضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها. يسعى النظام من خلال هذا القانون، وفق ما صرّح عدد من مسؤوليه، إلى تهيئة الأرضية التشريعية لمرحلة إعادة الإعمار في سوريا، بالرغم من تعقيدات هذا الملف؛ إلا أن هذا القانون-وبالنظر إلى واقع المشكلة العقارية في محافظة ديرالزور، وفي ظل الصراع السياسي القائم في البلاد، حيث تسيطر إيران على مناطق عدة في سوريا؛ تشكّل دير الزور في الخريطة الجيوسياسية أهمية استراتيجية لها، لربط مناطق سيطرتها في سوريا بتلك التي في العراق. وفي حين تسيطر الميليشيات الإيرانية على منطقة جنوب الفرات في دير الزور، يتحكم مسؤولون إيرانيون بعدد من مؤسسات النظام- يُفهم في سياق منح الغطاء القانوني لمشروع إيران في سوريا عموماً، ومنها دير الزور، والهادف إلى إعادة تشكيل المنطقة سياسياً واجتماعياً وثقافياً.
تعود ملكية قسم من الأحياء السكنية المشغولة في محافظة دير الزور إلى البلدية، وقسم آخر يعود لحيازات أفراد، كونها أراضٍ أميرية داخلة في التنظيم الإداري لمدن المحافظة. ويُفيد محامون مختصون، أن الأراضي الأميرية في سوريا ما زالت تخضع لقانون انتقال الأموال الأميرية العثماني، وينص القانون المدني على أن العقارات الأميرية هي التي تكون رقبتها للدولة، ويجوز أن يجري عليها حق تصرف. والجاري في القضاء السوري أنْ تُعاملَ الحيازات معاملة الأراضي المِلك. حيث يبيع ويؤجّر الحائزون حق التصرف لأفراد آخرين، لكن عمليات البيع والشراء والآجار هذه لا تسجل في السجلات العقارية، وإنما يتم تنظيمها عبر عقود مصدقة لدى الكاتب بالعدل، وبالتالي هي غير قابلة للفرز العقاري. ويُضيفون، أن الأبنية السكنية المقامة على أراض تعود ملكيتها إلى البلدية صدر بها قرار إزالة غير منفذ منذ عام 2010.
اليوم، في ظل الواقع الجديد، تزداد تعقيدات المشكلة العقارية فيها، إذ أن عدداً غير قليل من المالكين فقدوا أوراق إثبات الملكية، سواء المسجلة في السجل العقاري أم المثبتة لدى الكاتب بالعدل. فضلاً عن فقدان السجلات العقارية، ووثائق المؤسسات المعنية كالبلدية والكاتب بالعدل، كما أشيع مؤخراً، مما سيجعل من الصعوبة تحديد هوية مالك العقار. ورغم أن القانون الصادر يتيح للأقارب من الدرجة الرابعة إثبات ملكية العقار، إلا أن سيطرة النظام على منطقة جنوب الفرات، سيعيق عودة المعارضين، كما أن سوء الأوضاع الأمنية ستعرقل عودة قسم آخر من السكان. وبالتالي من الصعوبة تحقيق هذا الشرط في حالة من لم يستطع العودة، ما سيسهل لسلطات النظام وأذرع إيران المحلية عمليات بيع وشراء الملكيات العقارية.
ويُفيد عدد من المختصين في القضايا العقارية، أن نظام الأسد، من خلال هذا القانون، قد يُسقط حق الانتفاع والحيازة للعديد من السكان المالكين، الذين لن يستطيعوا تثبيت ملكيتهم بتطبيق القانون الصادر لأسباب سياسية وأمنية، مما يبطل حقهم القانوني في المطالبة بحقوقهم فيما بعد. ويؤكدون أن النظام سيمهد لهذا الغرض من خلال إصدار قوانين أخرى لاحقاً.
يضاف إلى ما سبق، التعقيد الذي أضافه تدخل السلطات المتعاقبة على المحافظة في مسألة العقارات، خصوصاً تنظيم داعش، الذي فصل بعدد من القضايا العقارية المتعلقة بملكية الأراضي والممتلكات المتنازع عليها قبل الثورة، وردّها إلى مالكيها السابقين الذين باعوها إلى ملّاك جدد. إضافة إلى بيع الكثير من العقارات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بدون توثيق قانوني، وهي عقارات متنازع عليها أساساً، فضلاً عن سيطرة ميليشيات موالية للنظام على منازل العديد من المعارضين أو المدنيين الذين غادروا المحافظة.
وتتوارد أنباء عن بدء حركة بيع وشراء عقارات من قبل شركات إيرانية، عبر وسطاء محليين. ورغم عدم وضوح تفاصيل هذه العمليات، إلا أن تعيين (عبد المجيد الكواكبي) -المسؤول السابق لمكتب التنسيق لحزب الله اللبناني في حلب- محافظاً لدير الزور، يُثير المخاوف في هذا الاتجاه، من خلال التلاعب في تطبيق القانون (3)، والذي ينص في المادتين: (2 و 4) منه على أن المحافظ هو من يحدد المناطق العقارية والمباني المتضررة في الوحدة الإدارية، وهو الذي يشكّل لجنة توصيف المباني المتضررة، والتثبت من ملكيتها، وملكية المقتنيات الخاصة والأنقاض. مما يسهل تمرير بعض القرارات، وتسريع إصدار وثائق عمليات البيع والشراء لصالح مشروع إيران.
يعود استهداف نظام الأسد والإيرانيين لمحافظة دير الزور إلى عام 2014، عند نزوح قسم من أبناء عشيرة الشعيطات إلى مدينة تدمر، إبان المجازر التي ارتكبها بحقهم تنظيم داعش، إذ استغل النظام استصدار بطاقات شخصية «بدل ضائع» لعدد من أبناء الشعيطات، فمنح بطاقات هوية سورية لعناصر أفغان من لواء «فاطميون»، ينتشرون اليوم في المحافظة، وما يجري اليوم فيها ما هو إلا استكمال لهذا المشروع، بدون أي اعتبار لانعكاساته الاجتماعية التي ستُدخل المنطقة في صراعات مذهبية عنيفة.