- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مديرية التربية تلاحق الدروس الخصوصية في المنازل .. إجراءات تدفع المزيد من الطلاب إلى دورات المركز الثقافي الإيراني في دير الزور
مع اقتراب الامتحانات، تعمل مديرية التربية التابعة للنظام في مدينة دير الزور على ملاحقة المدرسين لمنعهم من إعطاء الدروس الخصوصية في المنازل، وتسير من أجل هذا الهدف "ضابطة عدلية" تقتحم على المدرسين أو الطلاب منازلهم، ما اضطر الكثير منهم إلى العمل في الخفية، في حين ينشط المركز الثقافي الإيراني في إعطاء الدروس الخصوصية للطلاب، الذين لا يجدون (أو لا يجد أهلهم) ضالتهم في المدارس المتهالكة على كافة الأصعدة.
الحملة الأمنية التي تشنها مديرية التربية في دير الزور تبدأ في كل عام مع بداية تسرب طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية من المدارس، ولكنها تشهد حالياً حملة أقرب ما تكون إلى الحملات العسكرية بقيادة مدير التربية في دير الزور جاسم الفريح من خلال نقل معلمين، وملاحقة آخرين وتهديهم بغرامات مالية في حال إعطاء دروس خصوصية للطلاب وفق أحد مدرسي اللغة الإنكليزية في دير الزور.
ولفت المدرس الذي طلب إغفال اسمه لأسباب أمنية، إلى أن المدرسين يلجأون إلى إعطاء الدروس الخصوصية بسبب تدني الرواتب التي يتلقونها. وتابع "لو أن راتبي يكفيني لما فتحت بيتي لطلاب حولوا جدران غرفة الضيوف عندي إلى لوحات بأقلامهم، ولن ألجأ إلى تحمّل ضغط العمل لساعات إضافية، رغم ما أبذله خلال ممارستي مهنة التعليم في المدرسة بمنتهى الشرف. راتبي لا يكفيني لأكثر من خمسة أيام".
وأوضح مدرس اللغة الإنكليزية أن مدير التربية حمل المدرسين مسؤولية تسرب طلاب الشهادتين قائلاً لهم: "أنتم السبب في تسرب الطلاب، ولولا الدروس الخصوصية لاضطر الطالب إلى الدوام ولم يترك المدرسة" وعقب المدرس أن في ذلك تعامي عن الواقع التعليمي الذي خلفته هجرة أو تهجير معظم المدرسين الأكفاء من المدينة سواء داخل سوريا أو خارجها، والوضع النفسي للمدرسين القائمين على رأس عملهم، وما يعانونه من ضائقة مالية تجعل التدريس واحدة من همومهم وليس مهنة سامية يمارسونها وفق تعبيره.
"أم محمد" والدة أحد طلاب الشهادة الثانوية روت لـ "عين المدينة" كيف فرض الواقع التعليمي السيء عليها أن تبدأ بجمع المال منذ أن نجح ابنها إلى الصف العاشر، من أجل تسجليه في دورات خصوصية. وروت السيدة كيف أن معظم من لديه أولاد في الشهادتين، يقطعون من لقمة أولادهم كي يدفعوا للمدرس الخصوصي مبالغ مالية أصبحت تشكل عبئاً آخر فوق أعباء الحياة اليومية والوضع الاقتصادي المزري. وتابعت "أم محمد" بأن "الطلاب الذين يعتمدون على الدروس الخصوصية لا يداومون سوى أيام معدودة لتثبيت تسجيلهم في الامتحان، وذلك لاعتمادهم على تلك الدروس. معظم رفاق (ابني) في الصف ممن سجلوا في الدورات الخصوصية سبقوه (في الانقطاع عن الدوام)"
تعرف الدروس الخصوصية (رغم منعها وفق القانون) على نطاق واسع في سوريا، خاصة بالنسبة إلى طلاب الشهادة الثانوية العلمية وأهلهم، وتتفاوت تكلفتها وفقاً لنوع المادة والمدرس والمرحلة الدراسية وعدد مجموعة الطلاب في الدرس الواحد، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالمنطقة التي يعيش فيها الطالب والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها والداه. لكن في مدينة دير الزور يتقاضى معلم اللغة العربية من طالب الشهادة الإعدادية في الشهر سبعة آلاف ليرة سورية، أما مدرس العلوم للمرحلة الثانوية فيتقاضى 500 الف ليرة سورية عن المنهاج كاملاً، في حين تتجاوز "تكلفة" مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء المليون سورية، وبكثير في بعض الأحيان.
أحد مدرسي مادة الفيزياء في ثانويات دير الزور رأى أن قرار التشدد بملاحقة الدروس الخصوصية في دير الزور لم يكن قراراً تربوياً خالصاً، إذ تزامن مع افتتاح "المركز الثقافي الإيراني" الذي يرعى دروساً خصوصية بالمجان لجميع المراحل الدراسية في المدينة. وربط المدرس التشدد بتطبيق القرار بإجبار الطلاب على الالتحاق بهذه الدورات، التي يعمل فيها معلمون بلا خبرة طمعاً برواتبها وعدم قدرتهم على العمل بالدروس الخصوصية، لا سيما أن ليس لهم قاعدة شعبية وهم ليسوا من أصحاب الكفاءات العالية وفق رأي المدرس الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية.
وأضاف: "يعمل المركز الثقافي على إعطاء المواد الأساسية خلال دوراته المجانية، ولكنه يركز على مادة التربية الدينية لترسيخ مبادئ المذهب الشيعي في نفوس الأطفال والفتيان، الذين (يحصلون على مزايا أخرى مثل) التوصيل المجاني والقيام برحلات إلى أماكن لها رمزية لدى الشيعة مثل عين علي في ريف الميادين".
ويقع المركز الثقافي الإيراني في حي فيلات البلدية المحاذي لفرع الأمن السياسي بدير الزور، ويشرف عليه المدعو "الحاج رسول" الذي يعمل منذ تسلمه إدارة المركز على توسيع نشاطاته في منظمات الأطفال التابعة لحزب البعث مثل منظمة الطلائع وشبيبة الثورة، إلى جانب تنفيذ نشاطات بالتعاون والتنسيق مع مديرية التربية التي تسهل له عمله، الذي يركز في جانبه الترفيهي على النشاطات المسرحية التي تمثل حياة الحسين وكيفية قتله وضرورة الانتقام من قاتليه، خاصة في مسرح حديقة كراميش في مدينة دير الزور.
مدينة دير الزور - مسرح كراميش - خاص
وأوضح مدرس الفيزياء أن أعداد الطلاب ما زالت قليلة، وأن طلاب الصف المرحلة الإعدادية على سبيل المقال لم يكونوا يتجاوزون العشرة طلاب، لكنه استدرك أن الأطفال في المرحلة الابتدائية من الملتحقين بهذه الدورات عددهم أكبر، ولا سيما من أبناء العناصر والقتلى من الميليشيات المحلية التابعة لإيران، إذ تضطر الأرامل إلى إرسال أولادهن إلى المركز للحصول على مساعدات مالية تقدر بـ 50 ألف ليرة سورية شهرياً للعائلة، بشرط أن يواظب الأطفال على الدوام في دورات المركز التعليمية.
وركز من تحدثت إليهم عين المدينة من المدرسين على دور مدير التربية جاسم الفريح في تفعيل دور "الضابطة العدلية" بملاحقة الدروس الخصوصية، والتي تعتبر مخولة من المديرية بمداهمة منازل المدرسين الذين يشتبه أنهم يعملون بإعطاء الدروس الخصوصية ويقومون بالتفتيش، بالإضافة إلى أنهم قد يوقفون أي طالب في الشارع يحمل كتباً ودفاتر بعد ساعات الدوام الرسمي، ويسألونه عن اسم المدرس الذي سجل لديه دورة تقوية ويطلبون عنوانه.
وقال من تحدثت إليهم عين المدينة أن الضابطة العدلية يترأسها مدرس التربية القومية إياد الهجر، ويشرف عليها قسم التعلم الخاص بمديرية التربية برئاسة الهجر نفسه، الذي يساعده في مهمته عدة موظفين من القسم. أما آلية عمل الضابطة فشرح أحد المدرسين أن عمليات المداهمة يجريها الهجر رفقة مدرسين اثنين أو أكثر، وأن الضابطة تتنقل أثناء عملها مزودة بورقة ممهورة بخاتم مدير التربية تجيز لأعضائها القيام بالمداهمات، ثم تحيل المضبوطين إلى الرقابة الداخلية حيث ينظم ضبط بالواقعة ويصدر بعد ذلك قرار بالتغريم بمبلغ يصل إلى نصف مليون ليرة.
وختم المدرس قائلاً "قيامهم بهذا العمل يأتي من باب التفاخر والتعالي على المدرسين الآخرين، إذ لديهم مطلق الصلاحيات بتنفيذ ما يرونه مناسباً لوقف الدروس الخصوصية". بالرغم من عدم تأثر الدروس الخصوصية بكل التشدد في الإجراءات، لسهولة نقل الدروس الخاصة من منازل المدرسين إلى منازل الطلاب المسجلين فيها للتعويض عن انهيار المنظومة التعليمية.