- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مثل باقي أهلها.. ما يزال تجار مدينة الميادين نازحين ولاجئين
منذ أواخر العام 2012، ولخمسة أعوام تقريباً بعد ذلك، تحولت مدينة الميادين إلى عاصمة اقتصادية لمحافظة ديرالزور حيث فقد فيها النظام حينذاك السيطرة على ريف المحافظة ومعظم أحياء مدينة ديرالزور، التي فقدت أهميتها ومركزيتها الاقتصادية بسبب المعارك المستمرة في أحيائها بين فصائل الجيش الحر ثم تنظيم داعش من جهة، وقوات النظام والميليشيات التي حافظت على جيب سيطرة صغير داخل المدينة وحولها من جهة أخرى.
لم تكن مدينة الميادين طارئة على هذا الدور الاقتصادي، فمنذ عقود كانت المدينة مركزاً تجاريَّاً لأجزاء واسعة من الريف الشرقي للمحافظة، وبالاستفادة من الجسر الذي يربطها بمنطقة الجزيرة. وشكَّل حصار العراق منذ تسعينيات القرن الماضي عاملاً إضافياً في نمو أسواقها، حيث ازدهرت تجارة التهريب عبر الحدود القريبة مع البلد الجار المحاصر، ما أفرز تجاراً جدد آنذاك من أبناء المدينة. وبدءاً من النصف الثاني من العام 2013 وهو العام الذي وصلت فيه الحركة التجارية في مدينة الميادين إلى ذروتها، ظهر المزيد من الأثرياء بين أبناء المدينة بفعل عوامل عدة، أهمها ظاهرة استخراج النفط من الآبار لا سيما الواقعة في منطقة الجزيرة شرق وشمال شرق محافظة ديرالزور، وعلى أيدي مجموعات عشائرية من أبناء القرى والبلدات القريبة من هذه الآبار. وقبيل تكريره بطرق بدائية وبمعدات وتجهيزات صُنع كثير منها في المدينة التي شكلت أسواقها ومطاعمها ومراكزها الخدمية الوجهة الرئيسية محلياً لأثرياء النفط من أبناء الريف. تزامن ذلك مع تحرير محافظة الرقة -باستثناء بعض الجيوب العسكرية- والتخلص من آخر العوائق الأمنية أمام تدفق البضائع التركية إلى أسواق الميادين مروراً بمحافظة الرقة.
لم تمتد فترة الازدهار هذه لوقت طويل، فبُعيد سيطرة تنظيم داعش صيف العام 2014 بدأ تجار المدينة ومثل باقي سكانها بالمغادرة، وقبيل أن تدخل قوات النظام والميليشيات المتنوعة التي قاتلت معها في الحملة العسكرية على محافظة ديرالزور صيف العام 2017، كان آخر تجار الميادين قد غادرها.
بعد النزوح الكبير هرباً من قوات النظام في العام 2017، لم يعُد معظم النازحين عن المدينة. فبحسب التقديرات المتواترة لبعض أبنائها، لا يزيد عدد السكان فيها اليوم على 15 ألف نسمة أي أقل من 15 بالمئة من عدد سكانها قبل العام 2011، كذلك الحال في الريف الواقع تحت سيطرة النظام، وحرمت المخاوف الأمنية ثم تدمير الجسر المؤدي إلى ضفة الجزيرة على نهر الفرات أسواق الميادين من زبائنها هناك. هذا الانهيار الذي حطَّم العلاقات والموارد التجارية وإلى جانبه حالة الانفلات الأمني وتنمُّر قادة وعناصر قوات النظام والميليشيات على السكان العائدين، منع الأغلبية الساحقة من تجار الميادين وحتى المؤيدين للنظام بينهم من العودة إلى المدينة.
يقول "أبو محمد" الذي كان من أبرز تجار مواد البناء في المدينة قبل أن يجمد أعماله وينزح إلى دمشق، إنه يفضل البقاء فيها رغم تراجع أعماله على العودة إلى مدينته غير الآمنة، في ظل عمليات الابتزاز والخطف التي تشهدها المدينة.
على غرار "أبو محمد" فضل عدد من تجار الميادين الانتقال إلى دمشق تدريجياً منذ العام 2015 عندما بدأ تنظيم داعش بتصعيد سلوكه المتوحش تجاه أهالي المدينة، بينما كانت تركيا هي الوجهة المفضلة للعدد الأكبر من تجار المدينة الذين غادروها، قاصدين مدينة أورفة هناك، ليؤسسوا أعمالاً تجارية صغيرة في معظم الحالات، مفضلين الأمان رغم الأرباح المحدودة والعوائق التي تعترض أعمالهم على العودة إلى الميادين التي حافظت على دورها النشط وأهميتها خلال سنوات داعش، قبل أن تفقدها خلال سيطرة النظام.
برأس مال متواضع دخل "سعيد" أحد أبناء المدينة سوق الصرافة والحوالات المالية في العام 2013، وهو السوق الذي توسع كثيراً في المنطقة -وفي عموم سوريا- بعد اندلاع الثورة، تمكن ”سعيد“ خلال وقت قصير من جني ثروة معقولة جعلته "يطمع" على حد تعبيره بالمزيد، مفضلاً البقاء مع عدد من تجار المدينة فيها تحت حكم التنظيم، ولم يغادرها حتى أطلق النظام حملته العسكرية في العام 2017 للسيطرة على ديرالزور، ومثله مثل تجار آخرين كانوا يرفضون المغادرة، لم يجد هذا "الصراف" سوى النزوح إلى الشمال السوري المحرر قبل أن يغير وجهة نزوحه نحو محل أقرب إلى مدينة البصيرة بمنطقة سيطرة "قسد" في محافظة ديرالزور، معللاً ذلك بأن تلك المنطقة تبقى أقرب إلى الميادين، وفيها "أهله وناسه"، لكن أسباب سعيد الروحية للانتقال إلى شرق الفرات، لا يتشاركها معه "أبو عبدالله" الذي يعمل في تجارة المجالس العربية، حيث وجد نفسه مضطراً للانتقال إلى البصيرة على الضفة اليسرى لنهر الفرات، لأن معظم زبائنه يتواجدون في تلك المنطقة، شأنه في ذلك شأن تجار كثر غادروا الشمال إلى الشرق السوري الخاضع لسيطرة ”قسد“.
إذن يتوزع تجار الميادين اليوم في شتات متنوع، مدينة أورفا التركية، ومدن وبلدات المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في الشمال، ومدن وبلدات المنطقة الواقعة تحت سيطرة ”قسد“، وأخيراً دمشق التي استقبلت النسبة الأقل من هؤلاء التجار الذين يعتبرون أن أفضل أيامهم، هي تلك التي ذهبت.