- Home
- مقالات
- رأي
متلازمة محافظ حمص وصرماية الرئيس
اعتاد أنصار الأسد، والسوريون الذين يعيشون تحت سلطانه، توجيه الانتقادات والاتهامات لأشخاص لهم مناصب ثانوية، لا يُشكلون جزءاً من عصب النظام، متجاهلين الإشارة إلى رجاله الحقيقيين، أصحاب القرار؛ بدءاً من الأسد وعائلته والمقربين منه، وانتهاءاً بأجهزته الأمنية التي تتحكم بأصغر تفاصيل السوريين، والذين تقع عليهم بشكل بديهي مسؤولية كل ما يجري في البلد.
هذه الظاهرة غريبة، ونوعاً ما غير قابلة للتفسير لمن كسر حاجز النظام عام 2011. الثائرون لم يكسروا الحاجز فحسب، بل تجاوزوه بمسافة كبيرة صعّبت كثيراً عليهم فهم عقلية المؤيّد الغريبة وغير القابلة للتفسير.
التجلّي الأكبر لهذه الحالة كان محافظ حمص محمد إياد غزال الذي أصبح شمّاعة لمُوالي النظام، بحيث يُحمّلونه كل ما لا يعجبهم في المدينة، ابتداءاً من مشروعه «حلم حمص»، وانتهاءاً بانتفاض المدينة ضد نظام الأسد في بداية الثورة.
كِيلت للمحافظ مختلف التّهم التي خصّته دوناً عن باقي المسؤولين والجهات ذات السطوة في المدينة: فاسد وضعيف فنياً ومُستبدّ إدارياً، وساهم بسيطرة الثوار على المدينة، إما بتراخيه أو بتعامله مع الثوار ذلك الوقت.
العقلية تلك اختزلها منشور على موقع (الأيام السورية) تحت عنوان (محمد إياد غزال عميق في ذاكرتنا كجرحنا) «جعل حمص وكأنها ولاية ليست لها علاقة بأي مؤسسة أو دولة، بل دولة مستقلة بذاتها، لها أعرافها وتقاليدها وقوانينها الخاصة، والتي تتبدل وتتغير حسب الأحلام، وحسب عدد ساعات النوم لواليها». المنشور يكشف ألا مشكلة في المدينة سوى هذا الرجل. العقلية ظلت تُحلّل بهذا الاتجاه، والاتهامات المشابهة طالت خلَفه طلال البرازي، خصوصاً بعد ردة فعل عنيفة من مؤيدي النظام على تفجيرات استهدفت المناطق ذات الأغلبية العلوية في المدينة.
متلازمة (محافظ حمص) امتدت لتشمل كل المناطق التي يُسيطر عليها الأسد، بعد أن راجت موضة الانتقاد ومحاربة الفساد على وسائل الإعلام الرسمية، أو الطارئة في زمن الثورة، ولا سيما المنصات الإلكترونية، التي طالما خشي نظام الأسد منها سابقاً، ويستخدمها اليوم لترويج روايته عن الثورة، وتمرير الرسائل إلى مؤيديه ومعارضيه.
أخذت وزارة الصحة مكان (محافظ حمص) عند اكتشاف المقابر الجماعية لجنود النظام بالقرب من مدينة الطبقة، وتعذّر التعرّف على الجثث المتحللة عن طريق تحليل الحمض النووي لتكلفتها الباهظة؛ شعرَ أقارب قتلى النظام بالإهانة بعد أن طُلب منهم التعرف على أبنائهم عن طريق اللباس والأحذية والخواتم وبعض المقتنيات الشخصية، وصبوا جام غضبهم على الوزارة، وحمّلوها مسؤولية هذا الفعل المهين.
في موقفٍ مشابهٍ ظهر (محافظ حمص) على شكل وزير المصالحة علي حيدر عندما اتّهمه أقارب مقاتلي قوات النظام الذين اختفوا على جبهات الغوطة الشرقية، بعد أن تم وعدهم أكثر من مرة بتحريرهم من قبضة المسلحين الذين خطفوهم.
الهجوم على كاركتر (محافظ حمص) يرتبط دوماً بتأكيد الولاء لـ «صرماية» بشار الأسد، في حالة من التلازم بينها وبين المحافظ. يكشف هذا الشكل من التلازم الحدّ المسوح الذي تم رسمه للتعبير عن الآراء، ويقع تحديداً فوق محافظ حمص وتحت صرماية السيد الرئيس.
محافظ حمص وصرماية السيد الرئيس، وطريقة التعامل معهما، لم تظهر فجأة إبان الثورة السورية، بل من الواضح أنها سلوك ممنهج رسّخه النظام للتحكم بالقطيع الذي تحت سيطرته؛ فيوماً ما صار محمود الزعبي رئيس مجلس الوزراء الأسبق (محافظ حمص)، فحُمّل كل مشاكل البلد، خصوصاً بعد انتحاره بالطريقة الأسدية المعروفة. لاحقاً كان (محافظ حمص) رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري، الذي طالما ارتبطت به فكرة «نهب البلد» مع تجاهل واضح ومبتذل للعصابات التي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في هذا البلد، وتجديد البيعة المستمر لصرماية الرئيس.
كاركتر محافظ حمص كان البائع البسيط الذي يبيع الدخان، وصرماية الأسد من يهربها من خارج الحدود ومن المعابر الرسمية في كثير من الأحيان. محافظ حمص الشاب الذي دمّر حياته بتعاطيه المخدرات، وصرماية الرئيس من زرعها وتاجر بها. محافظ حمص ذلك الريفي الذي يهوى إطلاق النار في الأفراح، وصرماية الرئيس من يبيعها من مخازن الجيش أو يأتي بها من الخارج.
متلازمة محافظ حمص وصرماية الرئيس مرض يحقنه الطغاة في دم الشعب، وسيلته الوحيدة الخوف. فالمؤيد في الحقيقة مواطن تراكم الخوف في عقله حتى أقنع نفسه بأن (محافظ حمص) هو المسؤول الحقيقي في هذا البلد. وليس من المُستبعد أن من خرج عن سلطة الأسد سيتصرف بطريقة مشابهة لو عاش في مناطق جمهورية الخوف التي بناها حافظ الأسد منذ توليه السلطة.
رغم أن الأسهم ستبقى تُصوَّب إلى صدر محافظ حمص ما دام الأسد في السلطة، إلا أن المؤكد أن الجميع يعرف بأن «الدرب الأعوج من الثور الكبير». رأينا هذا في المناطق التي خرجت عن سيطرته، وسنراه بشكل أكبر يوم تنهار هذه المنظمومة المافيوية المُتسلطة على رقاب السوريين منذ أكثر من أربعين عاماً.