- Home
- مقالات
- رادار المدينة
ما وراء عزل قائد ميليشيا (الدفاع الوطني) في الميادين.. الظاهر قائد الميليشيا الجديد موالٍ للإيرانيين وسلفه الضويحي موالٍ للروس
في الأسبوع الأخير من شهر حزيران الماضي، عزل قائد فرع ميليشيا (الدفاع الوطني) في مدينة الميادين وائل محمود الضويحي، وعين في محله محمد تيسير الظاهر. يثير هذا القرار أسئلة كثيرة عن الأسباب والخلفيات المرتبطة به، خاصة وأن الضويحي قد قدم الكثير من الخدمات الأمنية والعسكرية للنظام، في حين يبدو الظاهر غراً وقليل شأن في هذا المجال.
على عكس الجسم الرئيسي لميليشيا (الدفاع الوطني) في مدينة دير الزور، مركز القيادة (الشكلية) للميليشيا ممثلة بفراس الجهام/العراقية؛ يعتبر فرعها في مدينة الميادين حديثاً أو في طور التأسيس مقارنة بالميليشيا الأم المشكلة في العام 2013. وعلى هذا الأساس قد يبدو عزل الضويحي مجرد إجراء فرضته عملية تأسيس الميليشيا في مدينة الميادين، لكن وبالنظر إلى السيرة الذاتية للقائد الجديد محمد الظاهر، يتراجع هذا الاحتمال إلى حد كبير، حيث تخلو سيرة الظاهر ابن المساعد المتقاعد من الأمن السياسي، والمتحدر من قرية الطيبة المجاورة لمدينة الميادين، من أي خبرة عسكرية خاصة.
فقبل الثورة عمل الظاهر في أعمال حرة متفرقة، وناقل ركاب وبضائع صغيرة بالأجرة على دراجته النارية، وبين العامين 2011-2014 في تجارة الأسلحة وبيع الدراجات أحياناً، أما خلال سيطرة تنظيم داعش على مدينة الميادين فلم يُعرف له عمل محدد، وإلى حين مغادرتها ضمن موجات النازحين الهاربين من تقدم قوات النظام خريف العام 2017، حيث استقر مدة قصيرة في مدينة أعزاز تلقى خلالها تهديدات بالانتقام بتهمة الانتماء لتنظيم داعش، والعمل ضمن جهازه الأمني ومساعدة التنظيم بشكل عام؛ وقبل أن يعود أدراجه إلى منطقة سيطرة النظام في دير الزور، ما عزز الشبهات حوله بعمالة مزدوجة لداعش والنظام في الوقت ذاته، ومن دون أدلة قاطعة لهذه العمالة.
ربما جاء قرار عزل الضويحي لسبب آخر يتعلق بتنافس الدورين الإيراني والروسي في محافظة دير الزور، وبما ينعكس على محاولات الميليشيات التابعة لطرف ما التمدد في مجالات نفوذ الطرف الآخر وابتلاعه، أو تغيير تركيبته إن أمكن. وميليشيا (الدفاع الوطني) التي تأسست برعاية الحرس الجمهوري تبدو ذاهبة، وعلى الأقل بفرعها في الميادين، إلى التابعية لإيران، وبحسب التفاصيل القليلة المتاحة في هذا الجانب، وقف صهر الظاهر الضابط برتبة مقدم في القصر الجمهوري، وراء إبعاد الضويحي المدعوم من قبل ميليشيا (لواء النمر) روسية الولاء.
تناقلت صفحات على فيسبوك يديرها عسكريون في قوات النظام، أو مؤيدين له من المدنيين، مقطع الفيديو، وطالبوا فيها بالثأر لزميلهم القديم من دورة 102 التي دخلت إلى الجيش منذ منتصف 2010، ومحاسبة وائل على اعتدائه على عنصر في (جيشهم الباسل)، ليعتقل قائد الميليشيا بعدها بسبب (تراكم المشاكل)، دون أن يكون مقطع الفيديو لضرب العسكري بعيداً عن سبب الاعتقال.
لكن وقبل أشهر، انتشر مقطع فيديو مثير للجدل، تعامل معه المشاهدون البعيدون وقتها على أنه خلاف بين شبيحة، ويظهر فيه شخص يتعرض للتعذيب في مقر ميليشيا الدفاع الوطني في الميادين، على يد قائدها آنذاك وائل، الذي بدا وكأنه يعاقب الشخص الذي يتعرض للتعذيب على تعفشيه للمنازل، كما ظهر من كلامه. ينتمي وائل إلى فخذ البو خليل (الشرقيين)، الذي صدر بيان يتكلم باسم أبنائه ويتبرأ فيه من وائل، صاحب الباع في الخروج عن الأخلاق المجتمعية في مدينته والتشبيح للنظام منذ بداية الثورة السورية، والمشارك بعدة معارك خارج دير الزور، وفي الميادين عند سيطرة قوات النظام على المدينة من داعش وحيث ذاع صيته.
أما من تلقى التعذيب في المقطع فهو الرقيب المجند في جيش النظام أحمد الكسار من فخذ البو مصطفى (الغربيين)، الذي كان وقتها يقضي فترة الاحتفاظ مع اللواء الثالث في تدمر، ومن هناك توجه إلى مقر ميليشيا الدفاع الوطني، حيث دارت مشادة كلامية اتهم أحمد فيها وائل أنه يقوم بتعفيش منازل البو مصطفى دون منازل البو خليل، وهدد أنه سيوصل شكوى بهذا إلى أعلى المستويات. وبعد خروجه من المقر دفع وائل مجموعة من عناصره لتعتقله ثم تصوره أثناء التعذيب، لإظهار قائد الميليشيا وكأنه من يحارب هذه الظاهرة، بحسب ما يدور بين مقربين من الطرفين.
ولطالما غذى نظام الأسد الفرقة والتنافس بين المكونات الاجتماعية، ولم يتحرك أبداً لحلول دائمة، بل عمل على إدارة هذا التنافس الذي كثيراً ما تحول إلى نزاع، مستفيداً من أطرافه ببسط المزيد من السيطرة. وفي حالة مدينة الميادين كان تنافس المكونين الأكبر لمجتمعها، البو خليل والبو مصطفى محل اهتمام وتحكم دائم من أجهزة مخابرات النظام قبل الثورة، وقد تأتي إزاحة الضويحي وتعيين قائد للميليشيا من خارج (البو خليل والبو مصطفى) في هذا السياق، خاصة إن لم تكن أمام النظام خيارات عملية أخرى، ومع الانتباه للماضي الأمني لوالد قائد (الدفاع الوطني) الجديد.