- Home
- مقالات
- رادار المدينة
مأزق "قسد" ومحتجزيها في مخيم الهول
يشكّل توجه "الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا" نحو الإفراج عن المحتجزين السوريين في مخيم الهول، تغيُّراً في تعاملها مع ملف المخيم الذي يعتبر مركزاً لاحتجاز عائلات عناصر تنظيم "داعش" وعائلات أخرى من المدنيين السوريين. فبالرغم من الصعوبات والضغوطات التي تواجهها "الإدارة" في إدارة المخيم، والتي دفعتها إلى اتخاذ قرار الإخلاء، فإن هناك أسباباً أخرى وراءه، كما أن نتائجه الاجتماعية والأمنية سوف تستمر طويلاً.
ليس العبء المادي للمخيم سوى رأس جبل الجليد، فهذا الملف ينطوي على تحديات وصعوبات إنسانية وأمنية وصحية ومشكلات إدارية كثيرة؛ فهو مهيأ لاستقبال ما يقارب (40) ألف شخص فقط، بينما وصل عدد المحتجزين فيه إلى ما يقارب (72) ألفاً، ما تسبب بضعف البنى التحتية والنقص الحاد في تجهيزات الإيواء في المخيم، كما أن العوز الكبير في التجهيزات والكوادر الطبية اللازمة لتغطية احتياجات هذا العدد الضخم أدى إلى وفاة (24) شخصاً بمرض التيفوئيد الذي تفشى في المخيم (نيسان 2018)، بينما بلغ عدد الوفيات في العام 2019 (517) شخصاً قسم كبير منهم من الأطفال بسبب نقص التغذية والرعاية الصحية.
شهد المخيم حوادث قتل وحرق خيام وتطبيق "أحكام شرعية" من قبل عناصر "داعش"، خصوصاً النساء اللواتي شكلن ما يسمى جهاز "الحسبة النسائية" داخله، في المقابل تكررت حالات هروب وتهريب لعناصر وعائلات مقاتلي التنظيم بمشاركة عاملين ومسؤولين في المخيم، كما في شهر حزيران 2020 حين اعتُقل بعض من أعضاء "الهلال الأحمر الكردي" بسبب محاولتهم تهريب نساء من الجنسية الجزائرية داخل سيارة الإسعاف الخاصة بالمنظمة.
ولأن إيصال المساعدات الأممية إلى مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" بات يتطلب موافقة مسبقة من نظام الأسد، بسبب توقف مرور المساعدات الأممية عبر الحدود بضغط روسي، فإن المساعدات الإنسانية والطبية في شمال شرق سوريا باتت تعاني نقصاً حاداً، وهو ما أثر سلباً على الأوضاع العامة في المخيم، إذ بلغت مساعدات الأمم المتحدة من الصندوق الإنساني السوري المخصصة لمخيم الهول (4.3) مليون دولار، لشراء خيام ومستلزمات الإيواء والنظافة وتأمين المياه، و(12) مليون دولار لخدمات الرعاية الصحية والتغذية والتعليم، وفقاً لتصريحات (كورين فليشر) منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا.
يقيم في المخيم وفق تصريحات مسؤولين في الإدارة، 28 ألفاً من السوريين، بينهم 15 ألفاً من أبناء محافظتي الرقة وديرالزور، وهؤلاء بوسعهم العودة إلى مناطقهم، ما يعني أن كثيرين غيرهم قد لا يتمكنون من مغادرة المخيم إذا لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه، أو لا يريدون العودة إلى مناطقهم التي يسيطر عليها النظام السوري.
لا شك أن الإفراج عن (28) ألف محتجز سوري من مخيم الهول له آثاره الإيجابية بالنسبة للمحتجزين المدنيين الراغبين بوضع حد لمعاناتهم الكبيرة فيه، لكن ذلك لن يحول دون مواجهة العديد منهم صعوبات تتعلق بفقدان قسم منهم لأوراق ثبوتية، فضلاً عن السكن وفرص العمل، كما يبقى الأطفال عديمو القيد المدني على حالهم ودون تلقي الدعم النفسي والطبي والتعليمي، دون إغفال احتمال تعرض بعض عائلات تنظيم "داعش" التي سيفرج عنها إلى حوادث انتقام في مناطقهم.
يظهر من ردود الأفعال أن قسماً من شيوخ ووجهاء العشائر، إضافة إلى قسم كبير من الأهالي، يؤيدون الإفراج عن السوريين المحتجزين في مخيم الهول، ويحتجون على اشتراط الكفالة للإفراج عنهم، إلا أن آخرين لديهم تحفظات تتعلق بالإفراج عن المحتجزين من خلال كفالة عائلات سورية لا تعرف خلفيتهم، إضافة إلى مخاوف كبيرة تتعلق بالتأثير المتوقع لعائلات عناصر داعش في محيطهم الاجتماعي، و بانتقامهم المتوقع لأفراد خسروهم، أو نشاط أفراد هذه العائلات مع التنظيم مستقبلاً.
وعلى الرغم من أن بعض الوجهاء يعملون على تهيئة الأوضاع وتخفيف التوتر حيال عائلات "داعش" المفرج عنها سابقاً من مخيم الهول، من خلال إخلاء مسؤولية أفراد العائلة عن الانتهاكات التي ارتكبها ذووهم خلال فترة سيطرة التنظيم، لكن تفهم الأهالي يعود إلى كونهم لا يفضلون احتجاز النساء والأطفال لدى "الإدارة الذاتية" ويعتبرون استمرار احتجازهم عاراً بغض النظر عن سبب الاحتجاز.