- Home
- مقالات
- رادار المدينة
لواء القدس عصابة «مشلّحين» ومرتزقة وليس فصيلاً فلسطينياً
تمتلئ جدران مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين، جنوب شرق حلب، بصور القتلى. ولكن هؤلاء ليسوا مناضلين ضد الاحتلال الإسرائيلي كما تعودنا، ولم يقوموا بعمليات في فلسطين، بل سقطوا أثناء وقوفهم مع قوات الأسد بعد أن زج بهم لواء القدس وقائده المرتبط بالمخابرات السورية على جبهات حلب.
التأسيس
أُعلن عن تأسيس لواء القدس في تشرين الأول عام 2013، بقيادة المهندس محمد السعيد، وهو أحد أبناء مخيم النيرب المعروفين بثرائهم، وكان يمتلك شركة عقارات ومقاولات. يقول أبو محمد، أحد سكان المخيم، إن «ثروة السعيد جاءت من الرشاوى والسرقات والمخالفات العقارية التي كان يبنيها بالاتفاق مع متنفذين في مدينة حلب قبل الثورة».
ويقول أبو محمد إن بداية اللواء كانت قبل هذا التاريخ بكثير، مع عدنان السيد، وهو أحد الشبيحة المعروفين بسوء السمعة، وكان يملك صالة أفراح ومجموعة من المحال التجارية في مخيم النيرب، وشكل مع مجموعة من الشبان الفلسطينيين مجموعات كانت تساند الشبيحة في حلب، لقمع المظاهرات منذ بدايتها في المدينة عام 2011. ويرجع صافي أبو الزين تشكيل لواء القدس إلى عدة أسباب استفاد منها نظام الأسد في إشعال الشرارة لتسليح أبناء المخيم، كان أولها في عام 2011 عندما قتل أهالي قرية النيرب السورية القريبة، وأثناء امتحانات الشهادة الإعدادية، ثلاثة من أبناء المخيم على خلفية عراك بين الطرفين، «فجأة ظهر السلاح في المخيم وصار التجار يبيعونه بأسعار زهيدة. معظم أبناء المخيم تسلحوا وقتها، وهجموا على قرية النيرب وقتلوا العديد من أهلها». بعد هذه الحادثة اتفقت معظم الفصائل الفلسطينية في المخيم، وعلى رأسها فتح وحماس والجهاد، وهي الفصائل الأقوى، على منع التسليح، وكان الجو السائد في المخيم يقضي بتوعية الشباب لعدم زجهم في المعركة.
وثانيها كان حادثة قتل جنود جيش التحرير الفلسطيني الثلاثة عشر في مصياف والتمثيل بجثثهم، وما أشيع وقتها زوراً من مسؤولية فصائل المعارضة عن ذلك. شكلت هذه الحادثة نقطة مفصلية في صعود عدنان السيد ومجموعته، وانضمام الكثير من شبان مخيم النيرب إلى هذه المجموعة التي اصطدمت مع الكثير من أصحاب الفكر السياسي داخل المخيم، الذين كانوا يتهمون، بحسب المدرس صافي أبو الزين من سكان مخيم النيرب «نظام الأسد بتصفية الجنود لإدخال الفلسطينيين في صفوفه والاعتماد عليهم في معركته».
ويضيف أبو الزين أن «الخلاف التاريخي بين حركة فتح وحماس هو الذي قلب الموازين، فحركة حماس وقفت ضد نظام الأسد مما جعل عدداً كبيراً من أنصار حركة فتح يقفون إلى جانب النظام، على الرغم من العداء الأزلي بين حركة فتح ونظام الأسد منذ زمن قائدها الراحل ياسر عرفات»، وعداء الأسد ووزير دفاعه وقتها مصطفى طلاس لحركة فتح، واعتبار ياسر عرفات خائناً.
أما النقطة الثالثة فهي دخول المعارضة إلى مخيم حندرات وطرد أهله من بيوتهم في منتصف 2013.
استفاد عدنان السيد ومجموعته من هذه النقاط لتوسيع سيطرتهم على المخيم، ودعوة الشبان إلى الانضمام إلى مجموعتهم التي لم تكن وقتها قد أخذت اسم «لواء القدس»، ضمن ثقافة احم نفسك التي انتشرت. فقاموا بتوزيع السلاح على المنتمين إليهم، ونشر الحواجز في المخيم، وقمع المظاهرتين الوحيدتين اللتين قامتا فيه ضد النظام. وكان عدنان السيد يوزع الأسلحة ومعها رخص حملها الصادرة من إدارة المخابرات الجوية.
في تشرين الأول 2013 أسس السيد لواء القدس، الذي اعترفت به حكومة دمشق كقوات رديفة للجيش، وعينت محمد السعيد قائداً عاماً له، في حين تسلم السيد مهام نائب قائد اللواء، ومحمد رافع -أو العراب كما كان يطلق عليه- والذي قتل في نهاية تشرين الثاني عام 2016، مسؤولاً للعمليات العسكرية، ثم خلفه أخوه الملقب أبو جعفر الذي كان أحد ضيوف شادي حلوة كسارق يسطو على المنازل واعترف بذلك على التلفاز.
دوافع تشكيله
لواء القدس عصابة ليس لها أيديولوجيا فكرية أو حزبية، وهي ليست تياراً سياسياً أو فصيلاً فلسطينياً. يرى أبو المجد، الذي ينتمي إلى حركة حماس والذي ترك المخيم منذ منتصف 2014، أن معظم المنتمين إلى اللواء هم من الشبان الصغار وغير المتعلمين. ويقسّم عناصر اللواء إلى ثلاثة أقسام بحسب دوافعهم للانضمام، فبعضهم لجأ إلى اللواء الذي أصبح السلطة الحاكمة في المخيم نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، أي من أجل الرواتب. وتزايدت أعداد هؤلاء خلال حصار المخيم في نهاية عام 2012، عندما «ترك نظام الأسد الفلسطينيين لقدرهم في الفقر والجوع، ليجبرهم على القتال إلى جانبه».
أما القسم الثاني فكانوا من أصحاب السوابق والسمعة السيئة الذين لجأوا إلى اللواء للسرقة، فهؤلاء كانوا ينتظرون الأقوى: «لو المعارضة دخلت المخيم لصاروا مقاتلين مع المعارضة»، وخاصة بعد أن اعتقل النظام كثيراً من الكوادر السياسية، وخاصة من الجبهة الشعبية، وعذبهم في السجون، وضيّق الخناق على الفصائل التي لم يعد لمكاتبها الدور الذي كانت تقوم به سابقاً في التوعية السياسية.
أما القسم الأخير الذي كانت السلطة هي كل ما يريدونه، أمثال محمد السعيد وعدنان السيد وغيرهم، فارتموا في أحضان المخابرات لتحقيق مآربهم.
ويرجع أبو المجد قدرة النظام على تجنيد هؤلاء الشبان إلى أن «الجيل الجديد لم يعد جيل فلسطين ولا جيل القضايا الكبرى. غاب الوعي السياسي في المخيمات، وأهملت في الفترة الأخيرة المكاتب ومقرات الفصائل، ولم يعد هناك ميزان للوقوف مع الحق ضد الباطل، بل أصبحت السرقة والراتب والمنصب هي كل ما يشغل هذا الجيل». ويتساءل أبو المجد: «ألم يرَ أبناء المخيم ما حل ببيوتهم في حندرات؟ فبعد استرجاع المخيم كان 95% من المنازل قد هدم بفعل طيران الأسد وقذائفه. ناهيك عن عدالة القضية الفلسطينية التي حاولنا على مر السنين ترسيخها في أذهان أبنائنا، ليقفوا مع حق الشعوب في تقرير مصيرها لا ليحاربوا الشعوب المضطهدة».
المخيم في ظل لواء القدس
معظم أهالي المخيم من الموالين لبشار الأسد، ولكنهم من المعارضين لوجود لواء القدس الذي يتهمونه بالسرقة والقتل وتجنيد الأطفال، بعد أن انتشرت الدورات التي يقيمها لتجنيد الأعمار بين 15-18 سنة، بالإضافة إلى الظلم الذي مارسه عناصر اللواء على أبناء المخيم وتحكمهم بمقدراته، ما دفع الكثيرين إلى مغادرته للعيش في مناطق النظام أو إلى الدول المجاورة كلبنان وتركيا أو الهجرة إلى أوروبا.
يقول أبو الزين: «خلال عامي 2014 و2015 خرج الكثير من أبناء المخيم ليعيشوا في مناطق المعارضة، وخاصة في مساكن هنانو، وبعضهم قاتل إلى جانب المعارضة، وخاصة أبناء الفصائل ذات التوجه الإسلامي. شكلوا كتيبة أسموها ابن تيمية، وكان معظمهم من أصحاب الشهادات الجامعية.
بالإضافة إلى ذلك انتشرت حركة تشيع كبيرة في المخيم، أسهمت في تجنيد أبنائه في فصائل تتبع لحزب الله أو الحرس الثوري الإيراني، الذي يرى أبو محمد أن اسم «لواء القدس» لم يأت من العاصمة الفلسطينية والانتماء للقضية، بل جاء من ارتباطه بـ«فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني». ويضيف متهكماً أن الطريق يمر من «جمعية الزهراء -مقر لواء القدس- مرورا بإدلب فالقدس».
عناصر اللواء
يضم أبناء مخيم حندرات الذين اتجهوا نحو مخيم النيرب بعد أن سيطرت قوات المعارضة على مخيمهم و«كان عدد المسلحين في حندرات وقتها لا يتجاوز 13 مقاتلاً معروفين بالاسم» كما يقول محمد .إ، أحد أبناء المخيم، ليتجاوز عددهم الآن 500 مقاتلاً، وأبناء مخيم النيرب الذين يتجاوز عددهم 3000 مقاتلاً. ولا يقتصر تكوين اللواء على الفلسطينيين بل يضم الكثير من أبناء الريف الشمالي (حيان ورتيان) والعشائر (كعائلة بري)، والكثير من الشبيحة والمرتزقة.
يتجاوز عدد عناصر اللواء الآن 5000 مقاتلاً، ينقسمون على ثلاثة كتائب رئيسية: الأولى «كتيبة أسود القدس» التي تقاتل في مخيم النيرب ومحيطه والريفين الجنوبي والشرقي لحلب، والثانية «كتيبة الردع» الناشطة في الريف الشمالي بالقرب من نبل والزهراء، والثالثة كتيبة «أسود الشهباء» التي كانت تقاتل داخل مدينة حلب. ويفخر اللواء أنه خاض أكثر من 200 معركة لصالح نظام الأسد، بحسب صفحته على فيسبوك، في حين يقدر عدد القتلى في صفوفه بـ300 والجرحى بأكثر من 1000.
عدنان السيد باللباس العسكري في المضافة