- Home
- مقالات
- رادار المدينة
لو أملك موقع livemap !!!
بعد التقدم السريع لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) تجاه مدينة الرقة بهدف طرد تنظيم الدولة (داعش) منها، لازمتني عادة في هذا العالم الافتراضي أدمنت عليها, وهي مراقبة توزع نقاط السيطرة في المعركة داخل المدينة على موقع livemap.
كل ساعة ومع كل تحديث أراقب أين وصل اللون الأصفر، الذي يمثل سيطرة قوات قسد, وأين تراجع اللون الأسود, الذي يمثل مناطق سيطرة داعش.
أتمعن في الخريطة بشكل مطول. ما يهمني بشكل شخصي هو السيطرة على الملعب الأسود أو على أي مبنى من سلسلة مباني النقطة 11، سلسلة السجون سيئة السمعة التابعة تنظيم لداعش, عسى يتحقق الحلم ويفرَج عن الكثير من المعتقلين السياسيين والثوريين, أولئك الذين كانوا أول من صرخ في وجه التنظيم ولم يطلبوا الأذن من أحد بمحاربته والاعتصام أمام مقراته.
كم هو سعيد ومفرح مجرد تخيل رؤية أحدهم (لن أذكر اسماً واحداً فقط، فكلهم أبطال). مجرد التخيل يجعلني أطير من الفرح وأعدل جلستي.
أراقب المسافة المتبقية للوصول إلى أي مبنى من مباني سجون النقطة 11. أقول لنفسي: لو اقتحموا من المحور الشمالي... أو لو افتتح محور الاقتحام بعملية انغماسية تهدف إلى تحرير السجناء هناك...
تمنيت لو أنني مالك موقع livemap, لغيّرت لون كتل من المباني على شاشة الآيباد الخاص بي باللون الأصفر ولعرفت مصير المعتقلين!
في السنة الماضية لازمتني هذه العادة أيضاً، أثناء معارك فك الحصار الأول عن مدينة حلب. فمع كل تحديث كان الأخضر يطغى على الأحمر ويبدأ عدّ الكيلومترات المتبقية كي يتصل الأخضر بالأخضر، أي تتصل مناطق سيطرة الجيش الحر ببعضها من خارج المدينة وداخلها، ويفرح ناس الحصار.
أنفخ على شاشة الآيباد كمن يبرّد الألوان الزيتية على لوحة كي يتصل الأخضر بالأخضر.
أتمنى لو أملك قلماً سحرياً يمكنني به تلوين المناطق ذات اللون الأحمر بالأخضر كي يستطيع الثوار فك الحصار. أتخيل ما يمكن أن يفعله رأس هذا القلم السحري دون تفجير ودون قتل أحد!
بعد 21 يوماً استطاعت قوات الأسد، المدعومة بالطيران الروسي وحشود المليشيات الشيعية، فرض حصار آخر على الأحياء المحررة من مدينة حلب، والتي كانت تحتضن أكثر من 400 ألف مدني.
كم تمنيت يومها أيضاً التحكم في الخريطة بوضع رأس القلم السحري فوق نقاط الكليات العسكرية (كلية المدفعية وغيرها....) جنوبي حلب وفتح الطريق أمام القوافل الطبية والإغاثية لتدخل إلى المدينة، ولكن عبثاً. ما كل ما يتمنى المرء يدركه!
أطبق الحصار بشكل كامل، وراح ضحيته الكثير من المدنيين، وانتهت المأساة بخروج من تبقى من الثوار من مدينة حلب أواخر عام 2016 باتفاقية دولية رعتها القوات الروسية والتركية.
تتغير الخريطة السورية كل يوم بلوحة متشابكة، يعرف كل سوري مراراتها والتعقيدات التي تفرضها الألوان. لو ريف حلب الشرقي والشمالي بالأخضر بدل الأسود لما حوصرت حلب، ولو عفرين بالأخضر بدلاً من الأصفر لاستطعت الذهاب إلى إدلب من ريف حلب الشمالي. الـ«لولاات» كثيرة تنتهي بتنهد يحوّل شاشة الآيباد إلى بخار يتطلب مسحه.
لا أعلم متى ينتهي تلوين الأراضي السورية، وما يترتب عليه من بناء مخيمات جديدة وفرض سلطات جديدة وفتح سجون جديدة وتشريد عوائل جديدة، وردم خنادق وحفر أخرى.
كل ما أعلمه أنه بمجرد سقوط الشيطان الأكبر بشار الأسد عن السلطة سيقوم الكثير من السوريين بتلوين بلدهم بلون واحد وردم كل الخنادق التي تفصل مناطق عن أخرى وحرق المخيمات وسيعود الكثير من المهجرين. عندها يكون قد تحقق حلمي بأن أصبح أدمن موقع livemap!