- Home
- مقالات
- رادار المدينة
لقمة العيش في قطف الشوك
حلا جعام (8 سنوات) ونور خباص (9 سنوات) من مدينة قلعة المضيق. خرجتا إلى أطراف المدينة لجمع ثمار الشفلَّح (القبَّار). حملتا الأكياس وانطلقتا للبحث عن الشجيرات. في منتصف النهار، ومع اشتداد الحرارة، اقتربت الطفلتان من بركة للمياه في محاولة لتبريد وجهيهما المتعرقين. لم تدركا أن قاع البركة طيني. غرقت الطفلتان وبقي ما جمعتاه من ثمار الشفلّح في كيسيهما على طرف البركة.
يصل طول شجيرة الشفلح إلى ما يقارب الـ50 سنتيمتراً. لها أغصان كثيرة، وتمتد على الأرض. يكثر وجودها في الجبال والأراضي الزراعية. تعد الآن مصدر رزق كثير من عوائل المناطق المحررة، وبخاصة سكان ريفي حماة وإدلب، بالرغم من مخاطر وصعوبة قطفها؛ فأشواكها قاسية تدمي اليدين، وأوراقها الكثيفة وأغصانها المتشابكة ملاذ مفضل للأفاعي في فصل الصيف الحار. تعرف بفوائدها الطبية واستخدامها في الأطعمة في أوربا، ولذلك أصبحت تدر دخلاً بسيطاً للكثير من الأسر الفقيرة، بعد أن تضاعفت البطالة وارتفعت الأسعار وضاقت أحوال الناس.
تستخدم ثمار النبتة في علاج كثير من الأمراض، مثل البلغم وارتفاع سكر الدم والروماتيزم والديسك. ويستخدمها المعالجون بالأعشاب بكثرة، فالبعض يطحن الأوراق ويمزجها مع زيت الزيتون ويستخدمها للسعال، وآخرون يصنعون منها خلطات توضع على الظهر لآلام الديسك، كما تستخدم لعلاج المشاكل الجلدية وألم المعدة وفاتحاً للشهية ومدراً للبول، وتدخل في الصناعات الطبية والتجميلية. وتستخدم أوراقها وبذورها كمنكهات طبيعية في البيتزا والخبز والسلطات والمخللات، وتستهلك بكثرة في الدول الأوربية لأغراض التغذية هناك. وهذا ما يفسر ارتفاع سعرها مقارنة بالأعشاب البرية الأخرى، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد من ثمارها إلى 3 دولارات، ويستطيع الشخص الواحد أن يجني يومياً بين الـ2 و3 كغ، مما يجعل من العمل في جمعها مصدر دخل جيد في بلد أهلكته الحرب ولا يتعدى متوسط دخل الفرد فيه الـ2 دولار يومياً.
أم مصطفى (43 عاماً) نازحة من ريف حماة إلى ريف إدلب الجنوبي، بعد أن فقدت زوجها في قصف الطيران لبلدتهم، تجد من قطاف الشفلح حلاً مؤقتاً يساعدها على شراء بعض الضروريات. قالت: «بطلع من بكير قبل الضو، وبرجع بعد الضهر. كل يوم بجمع 2 كغ. بطريق الرجعة ببيع الشفلح لتجار بالضيعة، وبشتري بحقهن ربطة خبز وشوية خضرة للولاد. بالصيف، وخلال 3 شهور، هيك شغلنا. من تلات سنوات وأنا بشتغل بهالشغلة، فما بهتم بالمصروف. بس بالشتوية كتير الأمر بيصير صعب عليّ لأنه ما عندي شغل».
أبو عبدو (50 عاماً) من أهالي ريف إدلب الجنوبي، يملك سيارة صغيرة ينقل بها جامعي الشفلح إلى أماكن بعيدة حيث يوجد بكثرة، مقابل نسبة مما يقطفونه. قال لنا وهو يمسح عرق جبينه: «بجمع الولاد والنسوان بعد صلاة الصبح وباخذهم بالسيارة على مناطق محددة بجبل الزاوية أنا بعرفها منيح. هناك الشفلح كتير، فالشخص الواحد بيجمع ضعف اللي بيجمعه هون على أطراف الضيعة. بشتغل بهالشغلة من 4 سنوات، وصرت بعرف منيح وين بتنوجد هالنبتة بكثافة».
في كل بلدة وقرية هناك تجار يشترون هذه البذور، لتجمع وتنقل إلى تاجر أكبر يقوم بحفظها ونقلها إلى اللاذقية ودمشق وحلب حيث تجهز للتصدير. علي الخالد (50 عاماً) من ريف إدلب الجنوبي، يعمل في تجارة الشفلح منذ عشرين سنة، قال: «نشتري الشفلح من التجار يللي بيجمعوه من الناس، فنضعه في أوعية كبيرة ونضيف إليه الماء والملح لحفظه، ثم نرسله إلى اللاذقية ليشحن إلى دول أوربا. بعضه بيستهلك محلياً، بيشتريه العطارين والمعالجين الشعبيين، لكن الكمية الأكبر بتروح على أوربا. أسعاره انخفضت مؤخراً بسبب كثر الكميات المطروحة بالسوق وزيادة عدد العاملين بالجمع نتيجة انعدام فرص العمل».
«إش بدنا نعمل... صعب كتير جمع الشفلح، فيه شوك كتير. أول مرة قطفتو طلع دم كتير من إيديّ، تجرحوا كتير، وجعوني وصرت أبكي. بس شوي شوي تعودت»؛ هذا ما قالته الطفلة إيمان وهي تنظر إلى كف يدها اليسرى وتحمل باليمنى كيساً يحوي بذور الشفلح التي جمعتها وتنتظر أمام محل المشتري لتبيع ما جمعت.