- Home
- مقالات
- رادار المدينة
فيلق الرحمن ودعائم المرحلة الجديدة
في 2 نيسان من العام الحالي وصل مقاتلو فيلق الرحمن إلى معبر قلعة المضيق -حيث حملتهم باصات التهجير من أماكن سيطرتهم الأساسية في الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري. وقّع فيلق الرحمن الذي يُعتبر أحد أبرز فصيلين كانا يحكمان الغوطة (الفصيل الآخر هو جيش الإسلام) اتفاق تخفيض التوتر في 16 آب 2017، لكن النظام وحلفاءه نقضوا هذا الاتفاق، وشنّ النظام حملة ضخمة استهدفت جميع أماكن سيطرة المعارضة ليتمّ توقيع اتفاقين منفصلين من قبل فيلق الرحمن ثم جيش الإسلام بهدف مغادرة أهل الغوطة نحو الشمال. وهنا بدأت مرحلة جديدة في التّبلور يتناول هذا التقرير تفاصيلها الخاصة بفيلق الرحمن.
الحملة العسكرية المُكثفة على الغوطة ساهمت بشكل كبير وغير متوقع في زعزعة الكيان العسكري لفيلق الرحمن. يقول "وائل علوان" المتحدث الرسمي باسم فيلق الرحمن لـ عين المدينة "لم يكن بحسباننا الخروج من الغوطة نهائياً، وهذا ما كنا نُصرّح به دائماً، لكن في الحملة الأخيرة تعرّضت بعض جبهاتنا لانهيار مُفاجئ. كما أن الحالة الهيستيرية التي شهدتها الغوطة نتيجة القصف وما ترتّب على ذلك من فوضى عارمة اضطرتنا لاتخاذ القرار الأصعب، وهو الخروج من الغوطة لتأمين أرواح من تبقّى من المدنيين".
يُشير مصدر صحفي، طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن بداية هذه الفوضى التي سبقت عملية التهجير بفترة تمثّلت في حدوث حالات هجر للسلاح بشكل عام لدى بعض شبان الفصائل، ربما نتيجة لحالة انعدام الثّقة التي تعاظمت عقب بدء الحملة العسكرية الأخيرة للنظام، وطريقة المواجهة التي اتخذتها هذه الفصائل.
كما أن انهماك معظم العناصر والمقاتلين خلال عملية التهجير في عملية البحث عن مأوى وعمل يُعيل أسرهم التي أخرجوها معهم أدى، وفقاً للمصدر، إلى غياب أي تماسك أو حتى لقاء بين العناصر والقيادات. وببساطة "كل ما جرى أن العناصر تُركوا في حال سبيلهم. من يمتلك المال استأجر منزلاً للسكن، والمُعدَم لا يزال يقبع في المخيمات".
في المقابل يتحدث "وائل علوان" عن قيام فصيله فور وصوله إلى الشمال السوري بـ "تأمين من خرج من الأهالي وعائلات المقاتلين، وبالأخص المرضى والجرحى، الذين انتشروا في إدلب وريفها وريف حماة". مؤكداً أن سعيه هذا، يُعدّ "أولوية للفيلق"، استغرق الكثير من الوقت والجهد منذ التهجير وحتى الآن.
أول ما فعله قادة الفيلق عقب وصولهم إلى الشمال هو اختيار أماكن التمركز والإقامة لهم ولعناصرهم. وتعتبر هذه النقطة على درجة عالية من الحساسية بالنسبة للفيلق نفسه ولداعميه، وللفصائل المتعددة المشارب والإيديولوجيات المنتشرة في المنطقة، إضافة للدولة التركية التي تُدير المنطقة بشكل أو بآخر.
ربما من هذا المنطلق؛ اختار الفيلق التمركز في عفرين بريف حلب الشمالي، والتي خضعت مُؤخراً للجيش الحرّ بدعم تركي كبير عقب عملية "غصن الزيتون"، وذلك بهدف تجميع عناصره في منطقة واحدة.
مع أن الهيكل العسكريّ للفيلق لم ينحلّ تماماً، بل تعرض لتآكل وانهيارات جانبية أفقدته حالة الانسجام السابق، إلا أن علوان يُفضل اختيار عبارة "إعادة تأسيس تحت نفس المسمى" خلال حديثه عن الترتيبات الجديدة التي يعمل عليها فصيله "نعتبر الفيلق مشروعاً ثورياً لا يمكن أن ينتهي طالما أن الثورة باقية، وهي ستبقى حتى إسقاط نظام الظلم والجور والاستبداد"، مؤكداً "مبادئ الثورة واضحة لدينا تحت بوصلة الجيش الحر الذي نعتبر مشروعنا جزءاً من تشكيلاته".
مصدر صحفي آخر قال لـ عين المدينة إن فيلق الرحمن في الوقت الحالي يُحاول إعادة بناء الثقة التي فقدها خلال أحداث الغوطة مع مقاتليه وحاضنته الشعبية. لكن هذه الخطوة –بحسب المصدر نفسه- صعبة للغاية، فالوضع في الشمال ليس كما كان داخل الغوطة الشرقية المحاصرة، وبإمكان أي مقاتل الانضمام لمن يرغب من الفصائل الكثيرة الموجودة في أكبر منطقة تخضع للمعارضة، وهذا ما حدث بالفعل، إذ خرجت بعض المجموعات من الفيلق لتنتسب لفصائل أخرى. يُقرّ علوان بهذا الانشقاق، لكنه يرى أن " قسماً كبيراً جداً بقي مع هذا المشروع الثوري". يقول الناشط "حمزة عباس" أحد نشطاء الغوطة المُهجّرين لـ عين المدينة "إن الفيلق يستخدم لتجميع عناصره طريق المال وكسب الولاء وبعض الوعود المعسولة".
في نهاية العام 2013، أًعلن عن تأسيس "فيلق الشام" باتحاد (17) فصيلاً، كان أبرزها لواء "البراء بن مالك" و"الاتحاد الاسلامي لأجناد الشام"، وتولّى قائد لواء البراء، النقيب عبد الناصر شمير قيادة الفيلق، الذي سيُشكّل في السنوات اللاحقة إلى جانب جيش الاسلام القوة الرئيسية للمعارضة المسلحة في غوطة دمشق الشرقية.
كان شمير، المُتحدّر من مدينة الرستن في محافظة حمص، بطل قضايا عدّة أثارت الجدل حوله، كان أهمها صفقة تبادل الأسرى الإيرانيين أول العام 2013.
إضافة للانشغال بالمهجرين الذي تحدث عنه علوان، والعمل على تجميع جزء كبير من المقاتلين الذين لا يزالون يدينون بالولاء للفيلق أو ممن لم ينتسب لفصيل آخر حتى اللحظة؛ يقوم الفيلق بالتواصل مع العديد من فصائل الشمال السوري وأهمها تلك المنضوية تحت راية الجيش الحر. حيث نشأت علاقة متينة مع ألوية المعتصم (تشكلت بصيغتها النهائية يوم 4 آب 2015، في مدينة مارع بريف حلب الشمالي) التي تحاول من جانبها اجتذاب الفيلق، لزيادة قدراتها العسكرية في مناطق انتشارها الحالية.
إحدى الترتيبات المهمة التي يُجريها الفيلق تمثلت في إقامة دورات تدريبية قال المتحدث الرسمي باسم الفيلق إنها "تندرج ضمن برنامج إعادة صفوف الفيلق". لكن علوان، الذي تحدّث وتواصلَ مع فصائل الشمال وبالأخص ألوية المعتصم، لم يفصح عن أي تفاصيل أخرى، مؤكداً بالقول "ليس بإمكاننا الآن أن نُعلن عن آلية عمل الفيلق الجديدة او تطلعاته المستقبلية".
الحقيقة أن الثقة العامة بالفيلق قد تراجعت إلى حد كبير، بسبب الاقتتال الداخلي والمعارك التي خاضها الفيلق وجيش الاسلام ضد بعضهما البعض، وما أسفر عن ذلك من خسائر بمئات القتلى والجرحى، ومن انقسام سرّع من سقوط بلدات الغوطة واحدة تلو الأخرى بيد النظام. وأضعفت الأنباء التي تتحدث عن مكاسب خاصة أحرزها قادة الفيلق من مصداقيته، حيث أثارت أنباء عن أموال ومشاريع استثمار أنشأها أشخاص مقربون أو تابعون للفيلق، جدلاً كبير في أوساط أبناء الغوطة وغيرهم من السوريين. مثل ما يُقال عن افتتاح مول كبير في مدينة عفرين تعود ملكيته لـ ياسر القادري القائد السابق لـ "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" ثم نائب "أبو النصر شمير" قائد الفيلق، بعد دمج الأجناد بالفيلق، وما يُقال عن شراء قادة آخرين في الفيلق أراض لبناء مجمعات سكنية. لكن أشهر القصص المؤكدة في هذا الشأن، محاولة أشخاص مُقربين من الفيلق، بيع مخطوطات توراتية بمبلغ (2) مليون دولار، قبل أن تُحبط الشرطة التركية هذه المحاولة.
يرتبط مصير فيلق الرحمن بعامل رئيسي هو قدرته على استرجاع ثقة الناس وثقة قاعدة تابعيه وأنصاره به، وبعامل آخر هو مدى نجاعة الدور التركي في تطوير بنية وقدرات الفصائل وتحويلها إلى تشكيلات عسكرية منضبطة.
أثناء خروج فيلق الرحمن من الغوطة - المرصد السوري لحقوق الإنسان