- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في مدينة منبج.. PYD يُجنّد مزيداً من الفتيات القاصرات
بلباس عسكري ورشاش على كتفها عادت فاطمة إلى منزل والدتها في مدينة منبج بعد 60 يوماً من غيابها غير المبرر أمام عائلتها، تلك الأيام التي قضتها والدتها في البحث عنها في كل أرجاء المدينة، فلم تترك شارعاً أو مشفى أو مخفراً أو صديقاً دون أن تسأل عن طفلتها ذات ا لـ 17 عاماً دون جدوى؛ كانت فيها الأخيرة ضمن معسكر خاص بوحدات حماية المرأة.
«يا ريتها كانت ضلت ضايعة» تخبرنا الأم بعد أن استأنست لوجودنا، فهي (الغريبة) عن منبج، والقادمة من إحدى القرى، كانت تحتاج إلى من يستمع لشكواها بعد أن أخفقت بمنع طفلتها من المضي قُدماً في الالتحاق بوحدات حماية المرأة الكردية (الجناح العسكري النسائي المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)، والتي انضمت لها بشكل سرّي بعد ترددها على مقرّهن في قرية الكرسان شمال شرق منبج.
مجلس منبج العسكري أعلن عن تخريج أكثر من 50 شاباً وفتاة في نيسان الفائت من العام الجاري كأعضاء في منظومة الأمن الداخلي التابعة للمجلس. وكان أعلن سابقاً عن تخريج 30 فتاة عربية في أيار 2017 الفائت وضمهن لصفوف الوحدات الكردية؛ بعد إخضاعهن لدورة عسكرية في معسكرات التدريب التابعة للوحدات الكردية في بلدة الشيوخ جنوب غرب مدينة عين العرب كوباني 30كلم. فاطمة كانت إحدى تلك الفتيات.
أمّ فاطمة التي فقدت ولدها في قصف على القرية، وزوجها بعد ذهابه للعمل في لبنان منذ حكم داعش في عام 2015، لم تكن هذه المرة تستطيع محاسبة طفلتها التي أتت متسلّحة بسلاحها وبصديقاتها من وحدات الحماية الكردية، برفقة القيادية «الرفيقة» المسؤولة عنهن. أما أنظار جيرانها، الذين أخفوا وجوههم خوفاً من المحاسبة، فظلت تُلاحقهم طوال (الزيارات)، لكن أحداً منهن لم يأبه لذلك سوى الأم المنكوبة، التي ظل يسكنها هاجس «عيون الجيران تاكلنا وتحكي علينا». فالمشهد الغريب، وغير المألوف في المدينة، وغياب الطفلة عن البيت كل هذه المدّة أساء لسمعة العائلة: تضرب أم فاطمة بيديها على وجهها وتصرخ «فاطمة صارت عسكرية».
رغم توقيع وحدات حماية الشعب الكردية على قانون يمنع تجنيد الأطفال إلا أنهم استمروا في ذلك، في ظل غياب كامل لدور المنظمات الحقوقية في الرقابة على ضمّ الأطفال، وخاصة الفتيات دون 18 عاماً، حيث سجّل ناشطون في مناطق سيطرتها عشرات الحالات. ويمكن القول إن قوات قسد في منبج ومناطق حوض الفرات والجزيرة السورية باتت تحاول فرض نظام اجتماعي تارة بالقوة العسكرية وتارة بالترغيب.
بعد أن أفرغ حكم داعش المنطقة من شبانها الذين هاجروا خوفاً، أو طلباً للرزق في الدول المجاورة، استغلت القوات المشاكل العائلية في المنطقة للترويج لنظامها الاجتماعي، وعزّزت منطق (حرية) الفتاة للتخلص من أعباء الوصاية عليها من قبل الأهل، الغائبة عملياً في ظل غياب أولياء الأمور (علماً أن منبج من المدن التي نالت فيها المرأة حظاً وافراَ من التعلم والثقافة والاحترام)، ناهيك عن الظروف المادية القاسية التي يعيشها الأهالي، خاصة النازحون إلى منبج من الأرياف، ما منح القوات مساحة واسعة للمناورة، عدا اللعب على وتر الثأر من داعش ومفاعليها في التأثير على الأعمار الصغيرة (شبان وفتيات)، أو إغرائهم بالسلطة والمال وحرية التحرك للانضمام إلى صفوف هذه القوات.
تتفاخر فاطمة بالانضمام لوحدات حماية المرأة الكردية، وتتحدث عن المعسكر التدريبي الذي خضعت له في مدينة عين - العرب كوباني، حيث تلقت تدريبات مكثفة لمدة ستين يوماً على استخدام الأسلحة، أبرزها سلاح القنص، إلى جانب دروس فكرية وسياسية تتوافق وأفكار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لتتخرج بعد ذلك كمقاتلة ضمن الوحدات.
تجنيد الفتيات هو ذات الأسلوب الذي عمل عليه حزب العمال الكردستاني سابقاً من خلال نشر نظام اجتماعي يُلغي كافة أشكال الوصاية على الفتيات من قبل الأهل، وهو مايخالف عادات وتقاليد المنطقة السائدة منذ مئات السنين. مُخالفة النظام تُعرّض أولياء أمر الفتاة للسجن والعقوبة المالية إن تقدمت الفتاة بشكوى بهذا الخصوص، واللافت أن قسد تمنع النساء دون سن 18 من الزواج وتقبل بانضمامهن إلى تنظيمها العسكري!
فاطمة حالياً تعمل ضمن قوات الشرطة المحلية المسماة بالأسايش في مدينة منبج، وتقود دوريات عسكرية برفقة زميلاتها، كما تقود دوريات الحرس التي تنتشر في محيط مقرات دور الشعب (مجالس محلية للأحياء والمناطق) في أحياء مدينة منبج، وتتلقى راتباً شهريا نحو 200 دولار أمريكي، وتتمتع بسلطة واسعة على أقرانها في المدينة، وبات تنقلها بِزِيهّا العسكري أمراً اعتيادياً، لتترك والدتها التي تخلى عنها زوجها منذ سماعه بالخبر وحيدة تندب حظها.