- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في مدارس كوباني.. الولاء قبل الكفاءةومسيرات في ذكرى ولادة أوجلان، وتـأسيس حزبه، واعتقاله
ارتبطت قضية التعليم في مدينة كوباني/عين العرب، مثلها مثل بقية المناطق ذات الأغلبية الكردية، بقضية اللغة، بوصفها حقاً من الحقوق الثقافية المسلوبة من الأكراد السوريين في ظل نظام البعث. وكان تعلم الكردية واحداً من المطالب التي نادى بها متظاهرو كوباني وقت كانت جزءاً من المشهد السوري الثائر ضد نظام الأسد. ونجحت المجموعات الثائرة في كوباني، إلى جانب مؤسسة تعليم اللغة الكردية وحمايتها szk –تأسست سراً في العام 2006- في افتتاح أول مركز لتعليم اللغة الكردية في حزيران 2011. وفي العام اللاحق أُدخلت الكردية كمادة ثانوية إلى المنهاج التعليمي في مدارس كوباني التابعة آنذاك لوزارة تربية النظام. وبالرغم من أن تعليم اللغة الكردية كان أحد الأهداف العامة لمعظم الأحزاب والقوى السياسية الكردية، إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي pyd استحوذ على هذا الملف في ظل صعوده بتسهيلات من نظام الأسد المنسحب، وفي إطار تنافسه مع تلك الأحزاب، قبل أن ينجح في تقييد حضورها إلى حدود دنيا وشكلية. لم تنقطع الصلة مع وزارة التربية بالرغم من نشوء مؤسسات تعليمية موازية برعاية pyd توّجت بولادة هيئة التربية والتعليم –تغير اسمها لاحقاً في كوباني وحدها إلى هيئة التربية- المنبثقة عن حكومة الإدارة الذاتية التي أعلنها pyd في كانون الثاني 2014. في النصف الثاني من ذاك العام، والأشهر الأولى من العام اللاحق، توقفت العملية التعليمية تقريباً في المدينة بتأثير الهجمات المدمرة التي شنها تنظيم داعش عليها. وبالرغم من التوسع الكبير في تعليم الكردية في المدارس إلا أنها لم تعتمد بشكل نهائي إلا في العام الدراسي 2015/.2016. ويعزى التأخر النسبي في هذا الإجراء إلى افتقار هيئة التربية إلى العدد الكافي من المعلمين الذين يتقنون الكردية قراءة وكتابة، فضلاً عما يستغرقه إعداد المناهج من زمن.
دفعت الحاجة إلى معلمين بهذه المواصفات، وكذلك السلوك المرتجل لمسؤولي هيئة التربية، إلى التساهل في المعايير الأساسية لاختيار المعلمين، فتحللت الهيئة من معيار الكفاءة العلمية بقبولها عشرات من غير الحاصلين على الشهادة الثانوية في المعهد الخاص بإعداد المعلمين الذي افتتحته. فكان بين هؤلاء من يحمل الابتدائية فقط، وأنيط قبولهم برغبتهم في أن يصيروا معلمين شرط اجتيازهم دورة لتعلم الكردية وتأهيلهم فكرياً وسلوكياً وفق أيديولوجيا حزب العمال الكردستاني PKK وهدى مؤسسه عبد الله أوجلان وعبر امتداده السوري pyd. حتى يكاد التركيز على «التأهيل الفكري والسلوكي» لطلاب المعهد أن يحوله إلى ما يشبه مدرسة إعداد حزبي. تخرجت الدفعة الأولى من المعهد خلال ستة أشهر، وعيّن الخريجون فوراً كمعلمين في مدارس كوباني وقراها. ويدير بعض المدارس اليوم شبان بالكاد تجاوزوا 20 عاماً، بدعمٍ من أقرباء نافذين في الحزب. واستُبعدت كثير من الشخصيات التربوية الشهيرة عن التعليم بسبب ميولها السياسية، أو لمجرد الشك في أن ولائها للحزب ليس بما يكفي، أو لتبنيها رؤية تعليمية مختلفة عما يريده. وفي مرات طُرد بعضهم لأسباب مزاجية خاصة بمسؤولي الهيئة التي تترأسها اليوم نسرين كنعان الحاصلة على الشهادة الثانوية فقط، وتعمل تحت إمرة مباشرة من المشرف الأعلى على التعليم في كوباني المعروف باسمه الحركي NUDEM، وهو عضو كردي/تركي في PKK (كادروا) جاء من جبال قنديل شمال العراق.
يقدر عدد سكان كوباني/عين العرب اليوم بحوالي 40 ألف نسمة. وتدير هيئة التربية فيها سبع مدارس ابتدائية وإعداديتين وثانوية واحدة. يقدر عدد طلاب الابتدائية بأكثر من (4000)، والإعدادية بـ(1300) والثانوية بـ(400) طالباً وطالبة. ويفوق عدد المدرّسين في هذه المدارس الـ(350) معلماً ومعلمة.
وتبدو المناهج التعليمية الجديدة المعتمدة للمراحل الدراسية الثلاث مبسطة ومجتزأة إلى حد كبير مقارنة بالمناهج الطبيعية في أي منظومة تعليم ناضجة. وأدى إدخال مواد دراسية جديدة عن حياة أوجلان في الابتدائية، وفلسفته في الإعدادية والثانوية، بحصتين أسبوعياً، فضلاً عن المسيرات والاحتفالات التي يساق إليها الطلبة إجبارياً في ذكرى أيام ولادة القائد وتأسيسه الحزب واعتقاله، ثم ما يتصل بذلك كله في كتب التاريخ الحديث؛ إلى تسييس التعليم وفق رؤية PKK وعقيدته الاجتماعية والسياسية. ويلحظ في المناهج أيضاً إهمال الفكرة القومية الكردية الواسعة، وحصرها تقريباً بمنتجات هذا الحزب الفكرية وأدبياته.
على هذه الحال، لن يكون مستقبل العملية التعليمية في كوباني –وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة PYD- مشرقاً، وسيفقد جيل كامل من الطلاب المنتسبين إلى منظومتها التعليمية فرصتهم في تلقي تعليم طبيعي يؤهلهم للالتحاق بمعاهد وجامعات معترف بها.