- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في عامها الجديد:مدارس المخيمات بلا دفاتر للطلاب ولا رواتب للمعلمين
على الطريق بين دير حسان وأطمة بريف إدلب يوجد أكثر من خمسة عشر مخيماً، بالإضافة إلى مخيمات عشوائية هي خيام موزعة على أراض زراعية مستأجرة. أكثر سكان هذه المخيمات من مهجري مدينة حلب. تغيب عن معظمها مظاهر العام الدراسي، وكأن أيلول المدارس لم يمر من هناك، فلا ألبسة مدرسية ولا أطفال بحقائب ولا ضجيج الصغار يملأ الشوارع الطينية والخيام المهترئة، في ظل تقاعس مديريات التربية وغياب المنظمات التي تعنى بالتعليم، وكثرة الطباخين، «حتى نام الأطفال هذه المرة بلا تعليم ولا عشاء».
يجلس أحمد (7 سنوات) في خيمة حوّلها بعض المعلمين المتطوعين، في «مخيم ريف حلب» التابع لقرية دير حسان، إلى مدرسة، بعد أن يئسوا من مناشدة المنظمات المعنية لإيجاد حل لأكثر من مائتي طالب ينتظرون حظهم في التعليم بعد أن أجبرتهم ظروف التهجير على السكن في المخيم. حرامات الإغاثة، بالإضافة إلى حصيرة برتقالية اللون وكرتونة كتبت عليها الأحرف الأبجدية؛ هي كل أثاث شعبة الصف الثاني الابتدائي في مدرسة أحمد. أما الشعبة الأوفر حظاً فوضع على أحد جدران خيمتها لوح خشبي مطلي بالأسود بحواف مهترئة.
يقول الأستاذ محمود، مدير المدرسة، لـ«عين المدينة»: «أسسنا هذه المدرسة منذ سنة تقريباً. في البداية درّست بعض الأطفال في خيمتي، وبعد ذلك استطعنا الحصول على خيمة. استقطبت الطلبة، مع مجموعة من المعلمين المتطوعين، لننشئ ست شعب؛ أربع منها للصف الأول وشعبة للصف الثاني وأخرى للصف الثالث».
تضم المدرسة 155 طالباً، ليس لديهم كتب ولا دفاتر، يستعملون كرتونة كلوح. ويعمل معلموها الستة والمدير دون أي أجور أو مكافآت منذ افتتاح المدرسة حسب ما يقول المدير.
يشتكي أبو صالح، مدير المخيم، من تسرب الطلاب، إذ تناقصت أعدادهم من 207 إلى 155: «يترك معظم المعلمون المدرسة بعد أيام أو أسابيع أو شهر، ويضعون أنفسهم تحت تصرف مديرية التربية على أمل تعيينهم في مدارس تعطي رواتب».
فشلت كل محاولات أبو صالح في الاتصال بالمنظمات التعليمية لتبني هذه المدرسة وتأمين احتياجاتها الأساسية: «الجميع يعدنا بتأمين احتياجاتنا بعد أن يرى المدرسة، ثم يذهب دون أن يعود».
خيمة بلا تدريس، ومبادئ القراءة من الجزء الرشيدي
لم تصمد خيمة مخيم الأمل في وجه الصعوبات كسابقتها في مخيم ريف حلب، فتركها أطفالها باحثين عن التعليم في قرية البردغلي المجاورة أو تعلم الجزء الرشيدي (مبادئ القراءة وبعض قواعد اللغة العربية والآيات القرآنية) على يد معلمين متطوعين في المخيم.
يقول عبد القادر قصير، وهو موظف سابق في منظمة الأمل المسؤولة عن المخيم: «بعد خروجنا من مدينة حلب أنشأت المنظمة هذا المخيم. وبعد التواصل مع الإخوة في هيئة العمل الإنساني قدّموا خيمة لإنشاء مدرسة هنا، ووعدونا بتقديم دعم وقرطاسية وحقائب للأطفال ورواتب للمدرسين، ولكنهم لم يقدموا أي شيء، فبقيت الخيمة الصغيرة وهجرها طلابها ومعلموها». ويتساءل قصير: «أليس بناء جيل متعلم أهم من مشاريع الإغاثة؟».
أخذ الأستاذ أسعد دملخي (أبو الحارث)، المجاز في الجزء الرشيدي، وهو من نزلاء مخيم الأمل، على عاتقه «تعليم الطلبة في المخيم مبادئ القراءة وتدريس القرآن وبعض قواعد اللغة العربية»، بعد أن تراجعت هيئة العمل الإنساني عن وعدها بتخديم المدرسة، بحجة «مساحة الخيمة الصغيرة غير الكافية للتدريس، بالإضافة إلى أنهم لا يعترفون إلا بالمدرّسين الذين يعملون مع الهيئة. فلا مدرّسوهم وصلوا ولا مساعداتهم وصلت، فقط عطلوا عمل المتطوعين الذين كانوا سابقاً في المدرسة، كمعلم اللغة الإنجليزية والرياضيات اللذين تركا المدرسة بعد ثلاثة شهور من عملهما الشاق في ظل الظروف غير الملائمة، فلا كتب ولا قرطاسية ولا رواتب».
وقرب قرية دير حسان أيضاً أنشأت 248 عائلة من مهجري حلب مخيم «بدلها» الذي ترعاه اليوم مؤسسة شام، وتكفل محسنون بدفع نفقات نقل الطلاب من المخيم إلى القرية، إلى جانب تأمين مستلزمات مدرسية للطلاب حتى نهاية العام الدراسي. وفي هذا العام يقول أحمد عقيل، وهو مدير المدرسة المفتتحة في المخيم: «تضم المدرسة 20 معلماً و 160 طالباً في مختلف الصفوف. ساعدتنا بعض المنظمات لكننا لا زلنا نعاني من نقص حاد في الكتب والدفاتر والأدوات التعليمية، إضافة إلى رواتب للمعلمين». يؤكد أحمد الصالح، وهو أحد ساكني المخيم، شكوى المدير، ويطلب دعم المدرسة بالقليل الذي سيمكّن مدرسيها من الاستمرار في العمل.
ورغم ذلك لا يعدّ الواقع التعليمي في المخيمات الثلاثة التي ذكرناها هو الأسوأ، فبعض المخيمات تفتقر إلى التعليم بكافة أشكاله. إذ يخلو مخيم ريف حلب الجنوبي من أي مدرسة أو خيمة تعليمية، حاله حال كل المخيمات العشوائية المقامة على الأراضي الزراعية، فيلجأ أبناؤها إلى المخيمات المجاورة للتعلم أو يركنون إلى حظهم في الأمية. أبو محمد، من منظمة سحابة خير، وصف الواقع التعليمي لمهجري حلب بـ«المتردي»، وحمّل «إدارة المخيم المسؤولية عن تأمين مدرسة حتى لو كانت خيمة واحدة، بالإضافة إلى المنظمات التي أهملت مهجري حلب بعد خروجهم من المدينة». وقال: «تواصلنا مع الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية. كل منهم يرمي المسؤولية على غيره، وكل منهم يعدّ نفسه مسؤولاً بالاسم فقط عن 45 ألفاً من أهالي حلب. من مكتب إدارة المهجرين، مروراً بمديريات التربية والمنظمات الإنسانية واليونيسيف، وحتى وزارة التربية».
خيم المدارس - عدسة أحمد عزيزة - خاص
ويروي أبو محمد لـ«عين المدينة»: «في اجتماع ضم عدداً من المعلمين لتأمين خيام تعليمية للمخيمات، قال لنا أحد أعضاء منظمة إنسانية –رفض ذكر اسمه- إن هناك خياماً ستوزع في مخيمات دير حسان، وستباع الواحدة منها بـ49000 ليرة، «اشترولكون كم خيمة وافتحوا مدرسة».
في حديث مع لؤي العلي، مسؤول منظمة ملتقى حرائر سوريا التعليمية، قال: «كانت المنظمة مسؤولة عن أربع مدارس في مدينة حلب، تقدم لها كافة المستلزمات والدعم والرواتب. ولكنها، بعد خروج الأهالي من المدينة، قامت بتفعيل المطبخ كجزء من عملها لتوزيع الطعام على أربع مخيمات. ولذلك ففي الوقت الحالي، وبسبب الظروف التي نعيشها والاستهداف الممنهج للمدراس من قبل قوات الأسد وحلفائه، باتت العملية التعليمية بعيدة عن أهداف المنظمة ومعظم المنظمات الأخرى التي كانت تعنى بالتعليم. أهالي المخيمات يفضلون وجبات الطعام على العلم، ومعظم الأهالي لا يرسلون أبناءهم إلى المدرسة، لأنهم في حالة تنقل دائم بين الخيام والبحث عن مأوى في القرى المجاورة وعن عمل يعيشون منه، ولذلك يرون في وجبة الطعام «دحة». أما إن توافر التعليم والطعام فذلك ممتاز».
مدير تربية حلب الحرة ينفي، ويطالب اليونيسيف بالإنصاف
يقول محمد مصطفى، مدير تربية حلب (الحرة)، لـ«عين المدينة»: «لا توجد أي مدرسة تخدم المهجرين من حلب لا تُدعم من المديرية ويتقاضى معلموها رواتب شهرية. هناك 8000 معلماً ومدرساً يتقاضون رواتبهم من مديرية تربية حلب، وهناك تنسيق كامل بين مديريتي تربية حلب وإدلب لتأمين مستلزمات هذه المدارس».
وعن دورهم في مشروع الطوارئ الذي أعلنت عنه منظمة سيريا ريليف بالشراكة مع اليونيسيف، لتوزيع كل ما يلزم للتعليم من خيم مدرسية بعد صب الأرضيات، وحقائب مدرسية وقرطاسية، إذ أعلنت المنظمة عن خطة لتوزيع عدد من الخيام وحوالي 15 ألف حقيبة و500 صندوق قرطاسية عن طريق شبكة إغاثة سوريا التي ستوزع عن طريق منظمات محلية؛ قال مصطفى: «بالنسبة لليونيسيف وعموم منظمات الأمم المتحدة ومنظمات الـNGO، هي منظمات ذات مصلحة عامة لا تخضع لحكومة ولا لمؤسسة دولية غير حكومية، فهم لا يقدمون مشاريعهم من خلالنا، ومبررهم القانوني في ذلك أن مديرية التربية مؤسسة حكومية وهم لا يقدمون الدعم عبر المؤسسات الحكومية الرسمية». وطالب الأستاذ محمد مصطفى وسائل الإعلام بتسليط الضوء على «التمييز الحاصل عند اليونيسيف بين المناطق المحررة ومناطق النظام، فاليونيسيف تقدم الدعم في مناطق النظام عبر وزارة التربية هناك». ليكمل أن «وزارة التربية الحرة تتواصل، بشكل مباشر أو عن طريق شركاء، مع اليونيسيف ومنظمات الأمم المتحدة، للوصول إلى حل يقضي باعتبار وزارة التربية الحرة بديلاً لوزارة التربية في مناطق نظام الأسد، للحصول على الدعم المباشر وتحسين العملية التعليمية فيها». وبحسب مصطفى ستتولى مديرية تربية إدلب الإشراف على المدارس الحلبية في المخيمات الواقعة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة إدلب.
أما وزير التربية في الحكومة المؤقتة، فبعد سؤاله عن التعليم في المخيمات أحالنا إلى مديرية تربية إدلب، «فهي من تتابع هذه القضية وعليكم أن تتوجهوا إليها بالسؤال». وبدوره أجاب ياسين الياسين، مدير تربية إدلب، أن جميع المنظمات، بما فيها اليونيسيف، تنسق مع مديريته. وحصر الشأن التعليمي في المخيمات الحدودية بـ«مخيم أطمة، فهو المسؤول عن مدارس المقيمين في منطقة أطمة والشريط الحدودي»، ولا علاقة لمكتب إدارة المهجرين بالتعليم إلا من خلال التنسيق مع تربية إدلب. ويؤكد الياسين التنسيق بين مديريات التربية الحرة في محافظات حلب وإدلب وحماة وحمص من أجل تحسين العملية التعليمية في المخيمات بشكل خاص.
داخل أحد الخيم