- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في دير الزور أول التشيع (جهاد البناء)وفروقات يستغلها الإيرانيون لصالحهم
بعيد نجاح قوات النظام بالوصول إلى مدينة دير الزور في شهر أيلول الفائت وصلت إلى المدينة قافلة من (13) شاحنة تحمل مساعدات إنسانية قدمتها مؤسسة (جهاد البناء) التابعة للحرس الثوري الإيراني.
تلك كانت البداية لبرنامج طويل سيستمر طالما استمر نفوذ إيران على اتساعه الحالي. بعد أيام قليلة من توزيع الأغذية والأغطية والملابس، التي حملتها القافلة، افتتحت (جهاد البناء) مشفى ميدانياً خيرياً في حي القصور في مدينة دير الزور، يصف السكان خدمات هذه المشفى ب«الممتازة» مقارنة بما تقدمه المؤسسات الصحية المتهالكة التابعة للنظام.
ومع كل تقدم وإحراز سيطرة جديدة لقوات النظام والميليشيات الحليفة له، التي يشكل فيلق القدس الإيراني مظلتها الجامعة، تسارع جهاد البناء أو وحدات طبية وإغاثية تتبع هذه الميليشيات، خاصة منها الملتزمة بالخط الأيديولوجي للفيلق، إلى مد يد العون والمساعدة للنازحين الفارين من الموت في المدن البلدات والقرى بريف دير الزور الشرقي إلى البراري حولها، وتعدهم برجوع قريب إلى بيوتهم.
وعلى عكس قوات النظام، والميليشيات ذات السمعة السيئة التابعة لها، يحرص الإيرانيون والمقاتلون الأشد إخلاصاََ دينياً لهم على احترام السكان المحليين، وإبراز الوجه اللين أمامهم. تعدد أنواع الغزاة داخل كتلة واحدة، بين نوع وحشي رخيص مثل جيش الأسد وميليشياته في طرف، ونوع لطيف أرفع شأناً مثل فيلق القدس وميلشياته، قد يدفع المهزومين الخاضعين لسلطة متشابكة بين النوعين إلى الإعجاب بالنوع الثاني، إعجاب قد يتحول إن استُثمر إلى تأييد.
رغم المباشرة بترميم وإعادة بناء حسينيات في البؤر الشيعية المزروعة من قبل في بلدتي حطلة ومراط، الخاضعتين اليوم لسيطرة ميليشيات شيعية محلية، ورغم التباهي بهذه السيطرة عبر الهتافات والرايات تارة، ورفع الأذان وفق مذهب الشيعة من جوامع البلدتين أو ركامها تارة أخرى؛ فقد يكون من المبكر قليلاً ملاحظة مظاهر لنشاط ديني في مشهد الحضور الإيراني خارج جيوب الحضور السابقة. حيث يتأنى الإيرانيون، وأتباعهم الأقل طيشاً في هذا الشأن، ويركزون اليوم في إشاعة انطباعات بناءة، ورسم صور حسنة لأنفسهم ستقارن في أعين الناس المغلوبين بقباحة صور النظام. وحين يترسخ رأي عام حميد عنهم، يبدد ما ترسخ سابقاً، تأتي الخطوة التالية. وهم في غير عجلة من أمرهم، ولكن من غير إهمال أو تباطؤ، تفيدهم في ذلك خبرات اكتسبوها من تجارب سابقة مروا بها في ظروف مختلفة في أوقات السلم، وفي أوقات الحرب وما بعدها، بنقل أقدامهم من مربع إلى آخر، خلال لعبتهم باختراق المجتمعات من ثم الهيمنة عليها؛ وعبر نشر المذهب، أو إحيائه، لاستخدام معتنقيه لاحقاً كأداة متعددة الوظائف، سياسية وعسكرية ودينية. والموقف الذي اتخذه غالبية المتشيعون في محافظة دير الزور -كما هي الحال مع أكثريات متشيعين وشيعة في محافظات أخرى- إزاء الثورة، ثم الأدوار التي لعبوها، تعد براهين توضح طبيعة هذا الاستخدام.
خلال سنوات احتلال داعش الثلاثة لدير الزور، ثم بموجة النزوح الهائلة الأخيرة منها، فقدت المجتمعات في المناطق الخاضعة لداعش فالنظام قواها الحية، وسلبت القدرة على الرفض أمام الأهوال التي مرت بها؛ ولأن أجهزة النظام، التي تمثل السلطة الشكلية المتبقية له، عاجزة عن تقييد النشاط الإيراني والحد من تأثيراته حتى لو أرادت ذلك، فإن تلك المجتمعات ستشكل استثمارات واعدة بالنسبة للإيرانيين. ولأن مدناً وأريافاً مأهولة بناس مسلوبي القدرة ومحطمين خير من مدن وأرياف خالية، قد يشكل أهلها النازحون في وقت ما عوامل تهديد للمشروع؛ يبدي الإيرانيون اهتماماََ خاصاََ بقضية عودة النازحين. فينشط وسطاء مكلفون من قبلهم في أوساط النازحين من دير الزور بخلق تيار عودة، بضمانات أثقل ومغريات أكبر، وشروط أقل قسوة من معطيات العودة التي يسعى إليها النظام من جانبه بجهود منفصلة، أو متداخلة، مع الجهود التي يبذلها حلفاؤه.
خلال العام القادم ستتضح بلا شك ملامح الدور الإيراني في دير الزور، وقد تظهر أثناءها شخصيات لم تظهر من قبل ليعتمد عليها هذا الدور. وستشيد «جهاد البناء» حوزات ومدارس، وستقدم بذوراً وأسمدة وأعلافاََ للفلاحين، وسيجد القلة العائدون أنفسهم مرغمين على التعايش مع احتلال جديد.. ولو إلى حين.