- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في جنوب دمشقنكسة لشيخ المصالحة أنس الطويل
في 28 من الشهر الماضي قاد الشيخ أنس الطويل، رئيس لجنة المصالحة في بلدة ببيلا جنوب دمشق، مظاهرة ضمّت (50) شاباً من أتباعه، وصلت إلى أول حاجز للنظام في حي سيدي مقداد وتوقفت هناك، ليجري الشيخ اتصالاً هاتفياً علنياً برئيس فرع الدوريات، مطالباً إياه بحل سريع لأبناء بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم الذين سئموا الحرب، بحسب قوله.
اتفق الشيخ وضابط المخابرات -خلال الاتصال- على موعد يتجه فيه الشبان الراغبون بتسوية أوضاعهم إلى دمشق. وفي اليوم التالي وزّع الشيخ أوراق استبيان خيّر فيها الشبان بين العودة إلى «حضن الوطن»، أو الخروج إلى الشمال فوراً، أو الانتظار إلى حين القضاء على تنظيم داعش وإجراء التسوية الشاملة.
أغضبت تصرفات الشيخ فصائل جيش الإسلام، وجيش الأبابيل، وفرقة دمشق، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وألوية الفرقان، وألوية سيف الشام، التي أطلقت حملة ضده فهرب إلى دمشق، ووقع أتباعه أسرى بقبضة الفصائل التي استولت على سلاحهم الذي تسلموه من النظام قبل عدة أسابيع.
انقسم الرأي العام بين مؤيد لاجتثاث مشروع الشيخ ومُعارضٍ له. ورأت الأغلبية أنه كان من الأفضل احتواء الشيخ ولجنة مصالحته التي تضم شيوخاً آخرين أهمهم الشيخ عبدو الهندي والشيخ صالح الخطيب من بلدتي يلدا وبيت سحم.
استمد الشيخ الطويل شرعيةً رسخت أدواره عبر تفويضه، من قبل فصائل المعارضة، للتفاوض بعد موت (200) شخص جوعاً ومرضاً في حصار عام 2013. إلا أن وحدة الحال التي تكوّنت بينه وبين ضباط الفروع الأمنية جعلت منه ضابطاً مُخترِقاً لكلّ المُكوّنات الاجتماعية في جنوب دمشق. واستثمر منبر مسجد الكريم في بلدته ببيلا ليُحرّض على الثوار، ويُذكّرهم بضعفهم بين حين وآخر، وخرج عن المسار المُتفق عليه بين الجميع، بحسب ما قال الناشط الاجتماعي عبد الرحمن الأحمد لـ«عين المدينة».
يؤكد الأحمد أن ملف المنطقة شائكٌ ومُعقّد بسبب تعدد القوى المسيطرة في المحيط الجغرافي للبلدات الثلاث، يلدا وببيلا وبيت سحم، إذ تجاورها من الجنوب منطقة السيدة زينب، المعقل الرئيسي للميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات، وتحدّها من الغرب أحياء الحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك، الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش، وتسيطر قوات النظام على جوار البلدات الثلاث في الشرق والشمال. ويقدر عدد سكان البلدات الثلاث بنحو (100) ألف نسمة، ثلثهم تقريباً نزحوا من المناطق المحيطة، منهم (13) ألف لاجئ فلسطيني نزحوا من مخيم اليرموك.
ينشط في البلدات الثلاث (15) مجلساً محلياً والعديد من التجمعات ذات الصبغة المناطقية أو العشائرية. ولكلّ فريق هدف يعمل على تحقيقه، فأبناء حي الحجر الأسود يُفاوضون النظام للتعاون من أجل إخراج تنظيم الدولة من حيهم والعودة إلى بيوتهم، وكذلك يسعى أبناء مخيم اليرموك. وجاء إخراج النظام لقادة من تنظيم داعش ليؤكّد أهدافه من وراء التفاوض، ودور الشيخ الطويل الذي يعمل لحسم ملف المنطقة كاملة وإعادتها بأسرع ما يمكنه للنظام، ما استفز الفصائل للانتفاض بوجهه.
كإجراء عقابي، أغلق النظام المعبر الإنساني الوحيد، ليذكر الناس بأيام الحصار. وخرجت مظاهرات نسائية مؤيدة للطويل ومطالبة بخروج الفصائل من المنطقة، وشكلت لجنة سياسية جديدة مثلت أطيافها المتنوعة، عدا بلدة ببيلا التي ارتأى وجهاؤها بقاء مقعدها شاغراً، قبل أن يعاود النظام فتح المعبر مطالباً اللجنة بإرسال وفدها للتفاوض.
وبحسب الناشط الإعلامي فؤاد المحمد، فإن نظام الأسد لا يريد أن يضحّي بخطته التي ينفذها منذ ثلاثة أعوام مقابل الاحتفاظ بالشيخ الطويل، خصوصاً أنه فهم رسالة الفصائل وهدفهم الاستراتيجي في التمسّك بالالتزام بقرار مشروع خفض التصعيد المُنبثق من مؤتمر أستانة، في 29 كانون الأول من هذا العام. ويؤكد أن فصائل المعارضة استطاعت استيعاب الاستفزازات المتكررة من تيار المصالحة لفترات طويلة، وليست لديها أي مشكلة في وجودها على الأرض. بل وأكثر من ذلك، تستفيد من وجودها لتبقى المنطقة في حالة ضياع رسمي، بين هويتها الثورية التي تحمّلها أعباءً كبيرةً، بدءاً بالقصف واستمرار الحصار الغذائي وصولاً إلى التهجير، وبين هويتها المصالحة المحافظة على توازن تشكّل تحت الأمر الواقع، بوجود داعش من جهة والميليشيات الشيعية من جهة أخرى.