- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في العشارة، حيث لم يبايع داعش أحد
في آخر شهر نيسان الماضي، وأثناء وقوفه في السوق، تعرّض أبو عمير التونسيّ، وهو أحد مسؤولي حسبة داعش في مدينة العشارة، لهجومٍ مباغتٍ من رجلٍ مجهولٍ طعنه بخنجرٍ طعناتٍ عدّةً أدّت إلى مقتله على الفور، فيما تمكن القاتل من الهرب في شارعٍ من الشوارع المتصلة بالسوق.
اعتقل التنظيم أكثر من (600) شخصٍ من سكان ذلك الشارع في بحثه عن القاتل، دون أن يعثر عليه، ليضطرّ لاحقاً إلى إطلاق المعتقلين. وعلى خلفية هذه الحادثة عقد مسؤولو القاطع الجنوبيّ، وهو القاطع المتضمّن مدينة العشارة حسب تقسيمات داعش الإدارية في محافظة دير الزور، اجتماعاً مع وجهاء العشارة. وخلال هذا الاجتماع شبّه بعض الدواعش أهل المدينة تشبيهاتٍ مهينة: «أنتم مثل بعض الكلاب المسعورة، ما تشارك بالصيد وبعد الصيد تبوق، وأنتم ما تشاركون بالجهاد ولا تحمون ظهور المجاهدين». وسنّ مسؤولو داعش في هذا الاجتماع قانوناً جديداً في العشارة، يلزم الشهود بملاحقة منفذي الهجمات على عناصرهم وإلقاء القبض عليهم أو قتلهم إن لم يتمكنوا من ذلك، وفي حال أحجم الشهود عن هذا سيلاقي أهل العشارة كلهم عقاباً قاسياً قد يصل إلى القصف بالمدفعية والتهجير.
حمل خطاب مسؤولي داعش غضبهم من قلة المبايعين لهم في هذه المدينة، إذ لم ينتسب إلى التنظيم، خلال عامين تقريباً من سيطرته على العشارة، إلا ثلاثون شخصاً أو أقلّ، حسب ما يؤكد ناشطون من هناك. وقد لاقى نصف هؤلاء حتفهم على جبهات القتال، والنصف المتبقي منهم عديمو الأهمية والتأثير في مجتمع العشارة كما هو حالهم في صفوف التنظيم. هذا الرقم (30) ضئيلٌ جداً بالقياس إلى عدد السكان (50 ألف نسمةٍ قبل سيطرة داعش)، وضآلته مبعث تباهٍ خاصٍّ وغير معلنٍ في أنفس الأهالي ودليلٌ مجازيٌّ بالنسبة إليهم على «قلة عدد المجرمين والحمقى» بينهم، ودليلٌ بالنسبة إلى الدواعش على «قلة الخير وقلة المجاهدين»، حسب ما يكرّر شرعيو داعش ودعاتها في تذمرهم الدائم من فشل وسائل الدعاية والترويج في جذب مبايعين جدد للتنظيم من أبناء العشارة. ورغم تردي الأحوال المعيشية وفقدان الآلاف وظائفهم نتيجة الحرب وممارسات الدواعش المدمرة لاقتصاد هذه المدينة الريفية التي كانت حتى وقتٍ قريبٍ سوقاً مزدهرةً لعشرات القرى المجاورة لها؛ لم تسجل في العشارة حالات انضمامٍ اضطراريةٌ طمعاً بالرواتب الشهرية التي تمنحها داعش.
ويثير فشل داعش في توسيع دائرة المنتسبين إليها في مدينة العشارة أسئلةً عن العوامل التي تقف وراء هذا الفشل. وربما كان انخراط كثيرٍ من أبناء المدينة في صفوف الفصائل المختلفة التي قاتلت داعش وتصدت لهجماتها حتى هجومها الأخير على محافظة دير الزور في ربيع وصيف العام 2014، ومقتل عددٍ منهم أثناء هذا التصدي، سبباً من بين أسبابٍ أخرى يمكن تحديدها بما يلي:
1. بعد إعلانها ربيع العام 2013، وحتى دخولها العشارة في حزيران العام 2014 وإلى الآن، لم تنجح داعش في استقطاب أيّ شخصيةٍ ثوريةٍ (عسكريةٍ أو مدنية) ذات وزنٍ أو تأثيرٍ عامٍّ، يمكن أن يشكل انضمامها إلى داعش سبباً لانضمام آخرين من المتأثرين بها إلى التنظيم.
2. فشل داعش في استغلال التناقضات والتنافس الأهليّ بين المجموعات العشائرية والعائلية المختلفة في العشارة، كما فعلت في مناطق عدّةٍ من دير الزور أثناء محاولاتها التغلغل عبر هذا التنافس إلى النسيج الاجتماعي في كل منطقة.
3. الرأي أو المزاج الاجتماعي العام النابذ للتطرّف قبل الثورة؛ فخلال عشر سنواتٍ (2000-2010) لم يتجاوز عدد المعتقلين بتهم الانتماء إلى تنظيماتٍ سلفيةٍ جهاديةٍ أربعة أشخاص (في حال تجاهلنا الطبيعة التعسفية للاعتقالات).
في واحدٍ من إصدارات داعش الدعائية المتلاحقة من ولاياتٍ شتى عن عملتها المزعومة، والمنشور بعنوان «فرحة المسلمين بعودة الدينار الذهبي»، ظهر ثلاثةٌ من أبناء العشارة، عبّروا عن سعادتهم وامتنانهم «للدولة الإسلامية» بإحيائها هذا الدينار. وكان ظهور هؤلاء مادة سخريةٍ وتندرٍ بداعش والمتملقين لها في العشارة، حيث يعاني الناس من انهيار القدرة الشرائية والكساد والبطالة.