- Home
- مقالات
- ملف
في العراء في مخيم طويحينة للنازحين
قرب قرية طويحينة، على بحيرة سد الفرات شمال غرب الطبقة، نشأ، أول أيار الماضي، مخيم جديد للنازحين، كمأوى مؤقت في البداية على أرض حددتها الإدارة الذاتية لمئات الهاربين من داعش، قبل أن تتضاعف الأعداد ويتحول المأوى إلى واحد من أسوأ المخيمات، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق.
كلمة «مخيم» غير صحيحة لتسمية هذا المكان، لافتقاد ساكنيه الخيم. يعد محظوظاً من استطاع منهم الحصول على خيمة مهما كان شكلها مقارنة بأكثرية العائلات التي تقيم في العراء، تحت شجرة أو غطاء مرفوع على عصي أو إلى جانب سيارة، يلاحقون ظلها مع دورة الشمس خلال النهار. في شهرين تقريباً من عمر المخيم كان يمكن للإدارة الذاتية، أو تابعها «مجلس الرقة المدني»، أو إحدى المنظمات الإنسانية الإغاثية، أن توزع خيماً على النازحين، وأن تفتتح مركزاً طبياً أو مستوصفاً إسعافياً، ومطبخاً يقدم وجبات غذائية منتظمة، لكنها لم تفعل. ومؤخراً حققت السلال الغذائية التي توزعها منظمة Concern Worldwide، المعروفة بين القاطنين باسم كونسيرن، الحد الأدنى من احتياجاتهم، بالرغم من افتقار هذه السلال إلى بعض المواد الأساسية. كما أمنت المنظمة إمداد مياه صالحة للشرب منقولة بالصهاريج إلى حد كاف، وبنت، قبل أسبوع، 20 حماماً مسبق الصنع وزّعتها في أربعة قطاعات من المخيم.
رغم الحراسة المشددة التي يفرضها ypg على أطراف المخيم، لم تشكل الإدارة الذاتية أي إدارة لتولي مسؤولياته وتأمين احتياجات قاطنيه. ولا يوجد، في هذه الحال، من يمكن أن تطرح عليه الأسئلة. لكن مؤيدي الإدارة الذاتية يبررون الأوضاع المأساوية لمخيم طويحينة بأنه لا يعد مخيماً بل مكان إيواء مؤقت، يستطيع قاطنوه مغادرته بعد انتهاء التحقيق الأمني معهم. ويلقي هؤلاء المدافعون باللائمة على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR بعدّها المسؤولة عن تقديم الخيم للنازحين.
ومثل المخيمات الأخرى الخاضعة لسيطرة pyd تتفاوت مدة الانتظار حسب دور كل نازح ووضعه الأمني. ويمكن بالفعل لمن انتهى التحقيق معه أن يغادر، إلى منبج حصراً، ثم تتاح له حرية البقاء فيها أو الانتقال إلى ريف حلب الشمالي المحرر، وهو ما يفضله كل من يستطيع تحمل نفقات السفر والإقامة، لكن كثيراً من النازحين لا يقدرون على ذلك فيضطرون إلى البقاء. يقول أبو رياض، أحد المقيمين في المخيم، إنه لا يملك أي مبلغ يمكّنه من السفر، وإن سافر فإنه لا يستطيع استئجار منزل في منبج أو في غيرها، ولذلك هو مضطر للإقامة «تحت سجرة، أنا وهالمرة وهالعجيان لحتى الله يفرجها»، كما يقول متهكماً من مأواه المؤلف من شجرة سرو وعارضتي خشب غرستا في الأرض، تحملان حصيراً يطير مع كل هبة ريح. أبو سوسن، وهو نازح آخر أصله من ريف حماة، انتقل إلى الرقة بعد تحريرها عام 2013 هرباً من النظام, ثم ترك الرقة قبل شهر هرباً من داعش والقصف والغارات؛ لا يجد ما يقوله: «مظهرنا يحكي لك كل شي بدك تعرفه». وبالفعل كان الغبار العالق على جبينه، وسخونة ماء الشرب في عبوة أمامه، ووجوه بناته الثلاث المتورمة من قرص الحشرات، تعبر عن حالته. «مرتي مريضة سكر، وتطلع لبرى كثير. بالليل لازم قوم معها عالحمام كل ساعتين تلاتة»؛ يقول واصفاً جانباً آخر من عذابه اليومي. ويسأل عن طريقة ينتقل بها إلى مخيم عين عيسى بوصفه أفضل حالاً من طويحينة، فعلى الأقل سيحصل هناك على خيمة وستحصل زوجته -كما يؤكد- على الأنسولين مجاناً من المستوصف، ما يجنبه مشقة البحث عن هذا الدواء في القرى المجاورة.
عند زيارتنا المخيم، قبل أيام، كان عدد العائلات فيه 500 تقريباً، بعدد قاطنين يقترب من أربعة آلاف. بين النازحين 100 عائلة تقريباً من مربي الأغنام، جاء معظمهم من البادية القريبة من مدينة الطبقة إلى الجنوب هرباً من المعارك هناك، وتمكن بعضهم من جلب مواشيهم أو بعضها، وسمح لهم الحراس بإدخالها إلى المخيم، كما سمحوا لشخص من كل عائلة أن يخرج بها للرعي والعودة كل يوم. أضافت الأغنام وجهاً آخر للمعاناة إلى أوجهها الكثيرة في طويحينة، بحركتها التي تثير مزيداً من الغبار وبمكوثها ليلاً إلى جانب البشر. يريد مربو الأغنام مغادرة المخيم وتركهم وشؤونهم، لكن المحظورات التي فرضتها الإدارة الذاتية على النازحين تحول دون ذلك إلا بكفيل من أهل المنطقة يعجز كثيرون عن الحصول عليه.