- Home
- مقالات
- رادار المدينة
في الساحل السوري.. كورونا تستفحل وتحصد المزيد من الأرواح
خلال الأِشهر الماضية أثبت مرض (كوفيد-19) لفئة كبيرة من السوريين أنه أكثر جديّة وحضوراً مما يتوقعون، خاصة في المناطق النائية والتي تأخر انتشار الفيروس فيها نسبياً، مثل مناطق ريف الساحل السوري، الذي يشهد حالياً مرحلة لافتة، يفقد فيها العشرات يومياً، خاصة من كبار السن كضحايا للمرض.
لم يعوّل كثيرون على اتباع الأهالي في الساحل السوري، وفي سورية عموماً، لإجراءات العزل والتباعد الاجتماعي وما إلى ذلك، فالخطاب الرسمي لم يكن مقنعاً كعادته، وإنما كان أقرب ليكون محاولة للظهور بمظهر النظام الذي يمتلك منظومة صحية وإدارية قادرة على التوعية وعلى إدارة الأوبئة، وهو بالتأكيد بعيد كليّاً عن ذلك، وسط منظومة صحية متهالكة، وفقر منتشر يعيشه غالبية أفراد الشعب، الذين لن يشتروا بالتأكيد كمّامة يوازي سعرها سعر ربطة الخبز، التي باتت همّاً يومياً لدى كثيرين.
لا تخلو صفحات السوشيال ميديا المحلية التي تنقل أخبار قرى طرطوس واللاذقية وحمص وحماه من نعوات يومية، مختلفة عن تلك التي كانت تنشر في السنوات السابقة، والتي غالباً ما تحمل صوراً وأسماء لمقاتلين شبان، سقطوا في إحدى جبهات القتال التي ينتشر فيها جيش النظام، فهي اليوم تحمل أسماء فئة عمرية مختلفة، تتراوح بين 50 و70 عاماً في أغلب الأحيان، ولا تتم الإشارة إلى أسباب الوفاة إلا ضمن أواسط ضيقة، تتناقل أخباراً عن إصابة المتوفي بالتهاب رئوي قبل وفاته، أو ذبحة صدرية، فيما تثار شكوك حول إصابته بكورونا، وهو ما يدل على أن أخذَ مسحةٍ وتحليلها للمريض ليس أمراً متاحاً بسهولة هناك.
تقول مرام عمّار، وهي مدرّسة رياضة في ريف بانياس، إن شهرَي تشرين الأول وتشرين الثاني شهدا حالة واضحة من انتشار مرض "لا بد أنه كورونا"، في مجموعة من مدارس ريف بانياس.. "كان واضحاً أن غالبية الطلاب مصابون بإنفلونزا، وأن شدة السعال وحدها كانت كفيلة بإغلاق تلك المدارس، وهو ما لم يحدث، تحت إصرار وزارة التربية على عدم إيقاف العملية التعليمية.. وهو ما تم دفع ثمنه، فبإمكانك اليوم التجول بين القرى لتعرف أن كثيراً ممن فقدوا حياتهم متأثرين بالمرض خلال الفترة السابقة هم من الأساتذة أو العاملين في الشأن التعليمي، وبعضهم ليسوا متقدمين في السن، وهو أمر لافت أيضاً".
تقول عمّار: "أصبت بفقدان لحاستي الشم والتذوق، وارتفعت درجة حرارة جسدي قليلاً، وعرفت نتيجة لمتابعتي للمواقع الصحية على الإنترنت، أنها من أعرض فيروس كورونا المستجد، لكن التأكد ليس سهلاً في مناطقنا، حيث لا تتوفر مراكز تأخذ المسحات المعروفة بـ(PCR) إلا في المدن الكبرى، وأقرب مركز مِنِّا موجود في اللاذقية، مع العلم أن قدرته الإستيعابية بسيطة جداً، بحيث قد أنتظر أسابيعاً أو ربما أشهر للقيام بالمسحة، لذا فالانتظار في المنزل أفضل، كان ذلك بعد أن أدركت أن معظم طلابي مصابون، وأن الإجراءات التي أتخذها في الصف قد لا تكون نافعة في ظل وجود أكثر من عشرين طالباً يسعلون طوال الوقت".
مريد فوّاز صاحب بقالية في بانياس، يرى أن انتشار الفيروس في أي منطقة سورية طبيعي جداً، بسبب ظروف الازدحام الذي تشهده الأفران ومراكز توزيع الغاز ومحطات الوقود، إضافة إلى عدم قيام الدولة باتخاذ إجراءات كافية كإيقاف المدارس مثلاً، أو فرض ارتداء الكمامة على السكان.. "لا مشكلة لدى الدولة بانتشار الفيروس، سيخفف عنها رواتب تقاعدية كثيرة، وستكفل انشغال المواطنين بقضية إضافية جديدة، وأزمة تضاف إلى باقي الأزمات، تبعد الشعب مزيداً من السنوات الضوئية عن الدولة، وعن الوعي تجاه ما يحيط به.. كورونا ليست إلا سبباً صغيراً يضاف إلى مجموعة أسباب الموت في هذا البلد التعيس".
لا أحد يثق بالإحصائيات الرسمية التي تصدر عن النظام الرسمي في سوريا، بل إن أحداً لا يتابعها، فعوامل عدم الثقة بهذه الأرقام في سورية مختلفة عن غيرها من البلدان، من عامل أن مراكز الفحص والاختبار قليلة وغير كافية، إلى عامل أن أكثر الدول تحضراً تكذب أحياناً بالأرقام الخاصة بالمصابين فكيف لدولة كسورية أن تكون صادقة.. إلى عامل أن الكذب صفة عامة في الإعلام السوري لا ينكرها أحد حتى العاملون والمشرفون عليه.. لذا فإن كانت العادة أن يُقال إن الإصابات هي أضعاف ما تقوله الدولة بشكل عام، ففي سوريا لا بد أن تكون الإصابات هي مئات أضعاف تلك الأرقام الهزيلة التي تصدّرها الميديا.
من العاملين في مستشفى الحفة باللاذقية