- Home
- مقالات
- رأي
في الرقة ودير الزور سيفشل النظام بإحياء حزب البعث
في المنطقة الشرقية من سورية، كما في سائر البلاد، تراجعت خلال السنوات الماضية أهمية حزب البعث بالنسبة للنظام لفشل الحزب بالاضطلاع بدوره المُفترض، بأن يُشكّل قوة وأداة تُواجه الثورة، وتُمكّن النظام من إخضاع المجتمع.
لكن، وبعد أن استعاد النظام السيطرة على أكثر من نصف المساحة الإدارية لمحافظة دير الزور، وعلى جزء من الريفين الشرقي والغربي في محافظة الرقة، خلال صيف وخريف العام الفائت، أولى النظام عملية إحياء حزب البعث في المحافظتين أهمية كبرى، كجزء من عملية إحياء أوسع تطال المؤسسات والشركات والمديريات الحكومية، والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية وكل ما كان يُشكّل منظومة حكمه المحلي ووفق الصورة التي كانت عليها قبل العام 2011.
في الأشهر الماضية، نشطت قيادتا فرعي الرقة ودير الزور لحزب البعث في عملية بناء جديدة على المستويات التنظيمية الأدنى (الشُعب -الفرق) ولم يحُل وقوع مناطق شاسعة خارج سيطرة النظام في المحافظتين من بناء أو تنشيط شعب حزبية لهذه المناطق، تعمل من مدينة حماة بالنسبة لمحافظة الرقة، ومن معدان والسبخة ودبسي عفنان شرقي المحافظة وغربها. ومن مدن دير الزور والميادين والبوكمال بالنسبة لمحافظة دير الزور، التي شهدت بدورها زيارات متكررة لأعضاء في القيادة القطرية، أكدوا على أهمية «دور الحزب في المرحلة القادمة».
تبدو الأدوار الفعلية الراهنة للحزبيين ذات طابع أمني، وتتركز في قضيتين رئيسيتين، المصالحة وتعني جلب أكبر عدد ممكن من النازحين في مناطق خارج سيطرة النظام، من ثمّ توقيعهم عقود إذعان وولاء نهائية للنظام، والقضية الثانية هي زعزعة الاستقرار في مناطق سيطرة «قسد» اعتماداً على خلايا أمنية قديمة أو حديثة التأسيس.
وفي جانب آخر، تُعبّر النشاطات العلنية الشّكلية لفرعي الحزب عن سعيه لاستئناف دور وظيفي طالما لعبه قبل الثورة بوصفه «الحزب الحاكم» ودون أن يُنازع بالطبع أدوار الحكم الأهم لأجهزة المخابرات، أو الأدوار الأخرى القائمة اليوم لضباط جيش النظام الأعلى رتبة، أو لقادة الميليشيات التابعة للحرس الثوري بوجه خاص.
في مسعاه هذا تُواجه حزب البعث تحديات وعقبات كبرى لا يبدو أنه قادر على تجاوزها، حيث يصعب عليه بناء ذاته مرة أخرى كما كان، في ظل سيطرة جغرافية قلقة ومنقوصة، وفي مجتمعات تعدّدت لدى أجيالها الشابة الخيارات، ولم يعد البقاء إلى جانب النظام وفي صفوف حزبه وتحت حكمه خياراً مغرياً، حتى على النحو السابق قبل الثورة، حين كان الانتساب إلى الحزب شأناً إجرائياً، تثبت من خلاله الحقوق بالتوظيف أو بالحصول على مقعد جامعي، أو بمحاولة النأي بالنفس عن الشبهات الأمنية.
عائق آخر أمام إعادة إحياء حزب البعث تُمثله نظرة النظام وطريقة استخدامه للحزب، ذلك الاستخدام الذي صاغه حافظ الأسد بعد انقلابه، وترسّخ خلال عقود حكمه اللاحقة، وامتدّ إلى عهد بشار قبل الثورة، بأن يكون الحزب مجرد غطاء لزمرة حكم عائلي وطائفي في الآن ذاته. هذا الاستخدام سلب حزب البعث كل أدواره السياسية المفترضة بحزب حاكم، جعل الانتماء إليه خالياً من أي معنى سياسي يُعد ضرورة لبقاء أي حزب طبيعي.
أدرك النظام باكراً بعد الثورة أن الاستثمار في الحزب والرهان عليه سيكون رهاناً خاسراً، حيث فشل الحزب وشخصياته المحلية بخلق أي تحشيد ضد الثورة في معظم الحالات، فضلاً عن فشله بالتصدي لطروحات الحرية والكرامة والمساواة التي تبناها شباب المظاهرات ومقاتلو التشكيلات الأولى للجيش الحر، الذين وجدوا في الحزب مثالاً، من بين أمثلة أخرى، على تفسّخ دولة الأسد.
واليوم، مع ظنه المتوهم أنه قد انتصر، لا يجد النظام بُدّاً من اجترار ذاته، بالحزب وغير الحزب، ليُعيد تصوير نفسه ومن غير جدوى على أنه دولة، ويُجمّل من مظاهر القبح والعري والبؤس التي انكشف بها. وبلا شك لن يستطيع التغلب على ما أفرزته السنوات السابقة، ولن يستطيع إعادة الزمن إلى الوراء.