- Home
- مقالات
- رادار المدينة
غابة استوائية سوريالية في الساحل السوري.. والقشور مفيدة للجروح والبشرة
ليس غريباً أبداً أن تتغنّى الصفحات والصحف الموالية للنظام بأي تجربة جديدة، وترى أن منشأها هو الإبداع المحلّي المُتجذّر لدى السكان، وإقبالهم على خلقِ المزيد من التنوع في أرضهم وبيتهم.. من هنا تملأ صور الفواكه الجديدة التي تنتشر في مزارع وأسواق الساحل السوري تلك الصفحات والصحف التي تتغنى بالقول: إن غابة استوائية جديدة بدأت تظهر في الساحل السوري، وإن إقبالاً على تلك الفواكه تشهده أسواق الساحل.. دون أن تُعير انتباهاً إلى أن مواطني هذه المناطق، حتى الآن، لم يعرفوا تماماً أسماء هذه المنتجات أو صفاتها، ليس من باب الجهل، إنما من باب غرابة هذه الفواكه على مناطقهم.
بالطبع ستهترِئ ثمار القشطة والبابايا والبلاتانو والدراكون والبومالكا والشيكو السدر وحتى الأفوكا، في ظل جهل التعامل معها من قبل البائع أصلاً «هل أتركها بالشمس أم أُخزّنها في المكان الرطب؟» وحتى الفلاح الذي ربما يتساءل في تجربته الجديدة مع هذه الثمريّات «هل أقطفها الآن أم أنتظر مزيداً من الوقت عليها؟»، فمن وزّع هذه الثمريّات على الفلاحين لم يُوزّع كتيّباً يشرح طريقة التعامل مع الشجرة وموعد قطافها، وأسلوب ريّها والعناية بها.
تقول صفحات إعلامية تهتمّ بالمنتجات الزراعية في طرطوس، إن مغتربين سوريين جلبوا هذه الثمار إلى بلدهم قبل سنوات سابقة. وبالفعل كان الكثير من المغتربين قبل «الأزمة» يُحضرون بعض البذار والأشتال لتجربة زراعتها في الساحل، التجربة التي لم تنجح بشكل واضح، إلا أن التوجّه إلى زراعتها اليوم ليس وليد مبادرة مغتربين «هل يعود المغتربون حالياً إلى سوريا أصلاً؟»، بل يعود إلى الفشل الذريع الذي مُنيت به وزارة زراعة النظام بتسويق الحمضيات، وبدفعها الفلاحينَ في الساحل إلى استبدال الحمضيات بالثمار الجديدة، بل وتوفير أشتال وبذار لها، بعد أن تحولت الحمضيات خلال الموسمين السابقين إلى منتوجات زراعية كاسدة فشلت وزارة زراعة النظام وتجاره في العثور على أسواق لها.
ولن تغيب عن الذاكرة مشاهد سلال البرتقال مُحمّلة في سيارات «زيل» عسكرية لتوزع على أُسر القتلى والجرحى في جيش النظام.
كان لامتناع الشركات الروسية عن استيراد الحمضيات من سورية، خلال الموسم الأخير، دور رئيسي في كساد أكثر من نصف الإنتاج الذي يزيد على (1) مليون طن، فيما بِيع النصف الآخر بأثمان بخسة في الأسواق الداخلية. يقول علي، وهو فلاح من ريف بانياس، إن كل مناشدات فلاحي الحمضيات «القيادة العليا» للتدخّل وحلّ المشكلة كانت دون جدوى، واعترفت مديريتا الزراعة في طرطوس واللاذقية بعجزهما عن تسويق الإنتاج، بل وحثّ بعض المسؤولين الزراعيين فلاحي الساحل بالبحث عن زراعات بديلة، ونصحوا بتجريب الفواكه الاستوائية في توجيه عشوائي استجاب له كثير من المزارعين الذين اقتلعوا أشجار البرتقال والليمون واستبدلوها بشتلات الأفوكادو والبابايا والليتشي وغيرها من المزروعات الغريبة، ودون أيّ ضمانة بتصريف معقول، ما خلق أزمة أخرى إلى جانب أزمة تسويق الحمضيات المستمرة، وسبب حالة كئيبة وسوريالية ومثيرة للسخرية.
المضحك في الموضوع، وفق علي الذي وقعَ هو الآخر بإغراء الفواكه الاستوائية، هو جهل الفلاحين وجهل الوحدات الإرشادية الفلاحية أيضاً، بأساليب زراعة هذه الفواكه وطُرق العناية بها وأوقات سقايتها وقِطافها. واكتملت المصيبة، كما يقول علي، بكساد الفواكه الاستوائية هي الأخرى، حيث لم تجد أي تصريف لغرابتها من جهة وارتفاع أثمانها من جهة أخرى. وفي أسواق الخضار والفواكه في المدن الساحلية تتباين أسماء نوع ما من هذه الفواكه بين محلّ وآخر، فضلاً عن الأخطاء اللغوية على اللوحات المُعرّفة بها، وكذلك تسمية بعضها بأسماء البعض الآخر.
يُحاول بعض مسؤولي النظام المحليين في الساحل السوري إثارة الاهتمام العام بالفواكه الاستوائية بتضخيم قيمتها الغذائية والمُبالغة بفوائدها، إلى الحد الذي تُشافي فيه جرحى الحرب والمصابين ببعض الأمراض المزمنة، إلى جانب «العناية بالبشرة وتقوية المناعة، لما تحتويه ثمارها وحتى قشورها من فيتامينات نادرة»، وفق تعبير موظف من مديرية زراعة طرطوس.