- Home
- مقالات
- رادار المدينة
عمل المرأة الإدلبية ومجالات جديدة تدخلها بعد الثورة
فتحت الثورة آفاقاً واسعة لعمل المرأة في إدلب، جعلتها تخرج أحياناً عن (النموذج القديم للمرأة الإدلبية) بهذه الدرجة أو تلك، حيث تمارس اليوم أعمالها القديمة إلى جانب أعمال يمكن أن ينظر إليها على أنها غير نمطية في المحافظة. لكن رغم انتشار منظمات تعمل على تدعيم هذا المسار فأعداد المنخرطات في المجال العام مازالت متواضعة، في ظل ظروف أمنية وانتشار أيديولوجيات تحاول تكبيل نشاط المرأة خارج المنزل.
مصادر خاصة من (منسقو الاستجابة) في الشمال السوري كشفت لعين المدينة أن نسبة النساء العاملات في إدلب 15% دون أي تفاصيل أخرى تخص الموضوع، وهي نسبة -في حال صحتها- لا بأس بها قياساً إلى التدهور في مجال الأعمال والبطالة التي يمكن تصور ضخامة أعداد الأيدي العاملة التي تركتها خارج سوق العمل واعتماد كلي أو جزئي على دعم المنظمات الإغاثية أو التحويلات من الخارج. بالتأكيد رفع عمل المرأة في (أرض العائلة) نسبة النساء العاملات إلى مجمل عددهن في المحافظة، وهو العمل الأكثر انتشاراً، لكن يبقى لمجالات العمل الجديدة التي أتاحتها الثورة ثقلها النوعي في حال لم يكن لها أثر كمي في الواقع.
تنتشر اليوم في إدلب منظمات وجمعيات ومكاتب خاصة بالمرأة مستقلة أو ضمن هيئات وتشكيلات أكبر، تسعى لزيادة مساهمة النساء في المجال العام ومحاولة دفعهن للمشاركة في العمل السياسي أو الثقافي أو المجتمعي؛ وأتاحت الثورة لمؤسسات ثقافية وإنسانية محلية وعالمية التواصل مباشرة مع الفئات الأكثر ضعفاً كالنساء، إضافة لفتح أبوابها أمام طاقاتهن، لكن يبقى للواقع كلمته النهائية: هناك من جانب ظروف الحرب التي فرضها النظام وميليشياته وما يصاحبها من تدهور ضاغط على مستويات عدة، ومن جانب آخر الرقابة المضاعفة التي تفرضها الفصائل الإسلامية على الحياة العامة. جعل كل ذلك من اختراق المرأة لمجالات العمل الجديدة إنجازاً يحسب للثورة وناشطاتها في خلخلة الواقع الاجتماعي، حتى لو كان ذلك بأعداد ما زالت قليلة.
النماذج القديمة لعمل المرأة
لعل طبيعة المجتمع الإدلبي الذي يتسم بالبساطة ونموذج الحياة الريفية بالعموم، جعل من المرأة الإدلبية امرأة مكافحة كربة منزل إضافة لكونها مساندة للرجل في ظروف العمل، وتنقسم النساء في تلك الظروف إلى نموذجين من حيث طبيعة العمل، النموذج المتعلم العامل في وظائف حكومية، كالتعليم والتمريض والوظائف الإدارية في دوائر الدولة، في ظل نظرة ترى إلى هذه الوظائف كأعمال مناسبة للمرأة، في حين تقل دراسات الهندسة وبعض المجالات الأخرى التي تناسب حياة المدن الأكبر.
هذا ما أوضحته المعلمة عفاف السيد (إحدى نساء ريف إدلب الجنوبي) لعين المدينة، بقولها:"إدلب مجتمع ريفي بالعموم، ومجالات التوظيف فيه محدودة، الأمر الذي يجعلنا عندما نفاضل كي ننتقي الفرع الدراسي، نفكر أين سنتوظف. وجدت حينها أن التعليم هو الأنسب، فهو يعطيني الفرصة للتوظيف في بلدتي، وهذا ما جعلني أدرس الأدب الإنكليزي، وفعلاً عملت كمعلمة في مدرسة بلدتي وهذا مناسب لظروفي حياتي." أما النموذج الثاني فهو النساء العاملات، ويعتمد عملهن على الأعمال الزراعية بالغالب، سواء في حقول تخصهن أو حقول أخرى مقابل أجر مادي، وهذه الشريحة من النساء كانت شريحة لابأس بها، وخصوصاً أن أرياف إدلب أرياف زراعية توفر هذه الفرص للعمل بكثرة.
المجالات الجديدة ومدى انخراط النساء فيها
لكن انتشار التعاطي مع الإعلام بوسائله المتعددة -منذ بداية الثورة- والسياسة والإدارة في المناطق المحررة وانتشار منظمات المجتمع المدني، وتلك العاملة في المجال الإنساني، كان لها دور في إتاحة الفرصة للعنصر النسائي بإدلب للمساهمة بهذه الأعمال، يضاف إليه أن أعمالاً ضمن هذه المجالات تحتاج للنساء حصراً، إلى جانب استعداد النساء المنخرطات في العمل الثوري للخوض في تلك الأعمال الجديدة؛ تلاقت في هذا المجال جهود ناشطات متحمسات بإصرار المنظمات والجهات الداعمة على مشاركة النساء.
وكنتيجة لذلك انتشرت في المحافظة العديد من مراكز تمكين المرأة، وتعنى هذه المراكز بالرفع من إمكانيات النساء وتمكينهن من الانخراط بمجال العمل، من هذه المراكز (بارقة أمل)، (بصمة جانوديات)، (إشراقة الغد)، (إشراقة بسراقب)، (أنا إنسان) بحاس و(مكتب شؤون المرأة والطفل) بجبل الزاوية وغيرها. تقول فاطمة الحجي (مديرة مكتب شؤون المرأة ورعاية الطفل) لعين المدينة: "نحن في هذا المكتب نستهدف النساء والأطفال من مختلف المراحل العمرية، نعمل على تمكينهن في العديد من المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والمهنية، من خلال إطلاق العديد من التدريبات التعليمية والمهنية وندوات التوعية وجلسات الدعم النفسي. صار عملنا مصدر الإلهام لقصص نجاح عدد من النساء (اللواتي دخلن في تدريبات المكتب)"
حملت الثورة ثم ظروف الحرب تغيرات كبيرة في المجتمع السوري بالعموم، وكسائر المحافظات كان لإدلب نصيب كبير من هذه التغيرات، فكانت الحرب بمثابة واقع جديد، أنتج زوجات الشهداء وزوجات المعتقلين وزوجات المصابين، اللواتي صار عليهن أن يعيلوا بمفردهن أنفسهن وعائلاتهن في ظل الحاجة المادية العامة، الأمر الذي وضع نساء إدلب أمام تحديات أكبر، كما وجدت شريحة من النساء الراغبات أن يكون للمرأة دور فاعل في الثورة، وإثبات جدارتهن لإدارة وتلقي الدعم الذي تقدمه المنظمات.
ترى رشا شحاذ (مديرة مركز إشراقة الغد) في بلدة الغدفة التابعة لمعرة النعمان، أن الواقع الجديد في ظل الثورة أحدث العديد من التغييرات السلبية والإيجابية، وأن من أبرز النواحي التي تغيرت فيها طبيعة الواقع الجديد هو دور المرأة ومشاركتها، وهذا ما أوضحته لعين المدينة بقولها: "كانت الثورة وما تلاها من سنوات الانطلاق فرصة مناسبة لظهور قدرات النساء، والعمل على توظيف وتمكين هذه القدرات بشكل مناسب، وساعد في هذا توجه المنظمات الداعمة لتمكين المرأة". وعن تجربتها الشخصية قالت: "قبل انطلاقة الثورة كنت معيدة في جامعة دمشق، وفصلت قبل نهاية العام الأول للثورة، وبعد العودة لإدلب استطعت تحقيق الكثير من الطموحات في مجال تمكين المرأة، وكانت فرص العمل والنجاح متاحة لي."
أفسحت ظروف الحياة الجديدة المجال للمرأة الإدلبية للتواجد في قطاعات عمل لم تجربها سابقاً، كعمل المرأة بمجال الإعلام حيث توجه الكثيرون من الفئات العمرية الشابة لرصد انتهاكات النظام، وتعريف العالم بهذه الجرائم، وتقديم صورة مضادة لتلك التي يحاول الأسد لصقها بالثوار. شاركت النساء في هذا الجهد بأعداد قليلة، لكن المشاركة كانت فعالة في ترسيخ مصطلح ناشطة في إدلب، ومع تطور التعاطي مع الإعلام في المحافظة، وانتشار مئات الوسائل الإعلامية من قنوات وإذاعات ووكالات وجرائد ومواقع إخبارية، صار هناك فرص للمرأة الإعلامية أو الصحفية.
وجدت الراغبات في العمل الإعلامي والناشطات المتحمسات لهذا المجال دعماً على مستوى الدورات التدريبية من عدة جهات صحفية عالمية، كمعهد صحافة السلم والحرب وعدسات سوريا وغيرها من الجهات، وبحسب إحصائية أجرتها عين المدينة، فقد بلغ عدد اللواتي عملن بالصحافة 120 امرأة، ترك العمل منهن 45 امرأة، واستمر بالعمل 75 امرأة يزاولن المهنة حتى الآن، إضافة لوجود 150 طالبة ومتدربة في معاهد وكليات الصحافة والإعلام والدورات التدريبية يسعين لذات العمل.
تحدثت لعين المدينة الصحفية في جريدة حبر سلوى عبد الرحمن عن تجربتها قائلة: "كنت أهتم بمتابعة الأخبار السياسية المتعلقة بالشأن السوري قبل عملي بالصحافة، واقترحت علي زميلة لي فكرة كتابة تقرير لوسيلة إعلامية. أثنى مدير المؤسسة على تقريري بعد إنجازه حينها، فتشجعت وخضعت لدورة تدريبية في الإعلام وتابعت العمل فيه، صرت بعدها -لتطوير أدوات الكتابة- أهتم أكثر بجمع المعلومات الاجتماعية والسياسية والطبية والثقافية والجغرافية والتاريخية."
إضافة إلى ذلك نشأ في محافظة إدلب عدة تجمعات سياسية، اتخذت من الداخل السوري بيئة لرفد كوادرها وتكوين أجسادها، وكان أهمها (حركة نداء سوريا) و(الهيئة السياسية بإدلب) و(تجمع سورية الثورة)، دخلت المرأة هذه التجمعات السياسية بأعداد لا تتجاوز العشر نساء في بدايات تأسيسها، ثم ما لبث أن تشكل في كل حركة سياسية مكتب خاص بالمرأة. وتختلف أعداد النساء من مكتب لآخر، كذلك تتفاوت أهمية مشاركتهن بالقرار السياسي الفعال من حركة إلى أخرى، حيث يضم مكتب المرأة في الهيئة السياسية -حسب مديرة المكتب حسناء تمرو- 50 عضواً، كما يضم مكتب المرأة في تجمع سورية الثورة عدداً مقارباً له، أما حركة نداء سورية فيضم مكتب المرأة فيها على 150 عضواً، حسب فضيلة خشاف مديرة مكتب التنظيم في الحركة.