- Home
- مقالات
- ترجمة
على من يقع اللوم في إخفاق الثورة السورية؟
بشير نافي*
30 نيسان
موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي
لم تجد الحركة الثورية العربية حلفاءً دوليين أقوياء يدعمونها ويحمونها في لحظات التغيير الحاسمة.
الثورة السورية، التي ابتدأت وهي تطالب بالإصلاح، سرعان ما تحولت إلى المطالبة بإسقاط النظام. لكن لم يتمكن السوريون من إسقاط الأسد، سواءً عن طريق التعبئة الشعبية السلمية، أو عن طريق استخدام القوة. فمنذ عام 2011 تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية دموية ومسرحٍ لنزاع إقليمي ودولي. ورغم الدمار المادي الهائل، ومقتل مئات الآلاف، وتحول الملايين إلى لاجئين، يستمر الأسد بتمثيل سوريا على المسرح الدولي وبإدارة شؤون ما تبقى من مؤسسات الدولة. وقد حقق النظام تقدماً مضطرداً في حربه على الفصائل المسلحة للثورة السورية بفضل الدعم الكبير من حلفائه الروس والإيرانيين.
تشتت المعارضة
بما أن الإخفاقات تدفع دائماً للبحث عن المسؤولين عنها، فقد عَمَّت النقاشات حول فشل الثورة. إحدى وجهات النظر ترى أن المعارضة السورية، العسكرية والسياسية، تتحمل المسؤولية الرئيسية عن هذا الفشل. فالمعارضة السياسية لم تستطع توحيد صفوفها، أو تقديم قيادة كاريزمية يمكن للناس الالتفاف حولها لكي تقنع العالم بجديتها بتمثيل الثورة والشعب. وبالإضافة إلى الهوة الكبيرة التي تفصل جناحي الثورة السياسي والعسكري، يوجد عدد كبير من الفصائل العسكرية.
عندما واجهت قوات المعارضة المسلحة ضرورة حماية وحدة الثورة امتنعت عن مواجهة القاعدة وداعش، ولم تستطع طردهما من المسرح السوري. ومعظم هذه الجماعات المسلحة بدت مهتمة بالحفاظ على وجود شكلي أكثر من اهتمامها بحماية مصالح الشعب والثورة. هذه المعارضة لم تكن مؤهلة في أي وقت لأن تقود الشعب، أو تستجيب للتحديات التي فرضها تحول سوريا إلى ميدان للحرب. حالما بدأ ميزان القوى يميل لصالح النظام أصبحت المعارضة عاجزة عن الصمود.
هذه الإدانة للمعارضة، رغم صحتها إلى حد كبير، تنطوي ضمناً على إدانة أخرى للشعب السوري. فمن هذا الشعب صعدت هذه المعارضة. هذا المنطق يقود إلى الاستنتاج أن الشعب السوري لم يكن جاهزاً للمواجهة مع نظام الأسد القمعي، وأن الطرف المنتصر أكثر أهلية لقيادة سوريا.
ما تغفله وجهة النظر هذه هو أن الثورة السورية لم تكن ظاهرة معزولة. فهي ظهرت ضمن سياقٍ أوسع لديناميكية عربية ثورية للتغيير، ومن الخطأ قراءة ما حدث بمعزل عن ذلك. يُمكن القول إن هدف تغيير النظام السياسي لم يفشل في سوريا فقط، وإنما في جميع بلدان الربيع العربي. حصل الإخفاق في بلدان لم تشهد لجوءً إلى السلاح، ولم تشهد ظهور جماعات إرهابية، وكان فيها قوى معارضة أكثر نضجاً. وحتى عندما نجحت الثورات بإسقاط الأنظمة، سرعان ما عادت الطبقات الحاكمة وأطلقت حركات مضادة للثورة واستعادت السلطة. تَحولَ ميزان القوى بسرعة ضد حركات الثورات العربية في كل دول الربيع العربي. هذا الانقلاب العكسي لم يحدث بسبب سذاجة المعارضة أو عدم كفاءتها، إنما بسبب تبلور ظروف ضاغطة عصفت بالمعارضة والشعب.
التعبئة المضادة
حقيقة أن حركة الثورة والتغيير شملت كل أرجاء العالم العربي، وليست فقط حركة سورية أو يمنية أو ليبية، هذه الحقيقة أطلقت تعبئة مضادة عبر العالم العربي. حالما أدركت قوى الثورة المضادة جاذبية وتأثير الديناميكية الثورية، انتقلت لبناء ائتلاف واسع النطاق. وحتى بدون اتفاق مسبق، تحركت الدول النافذة ذات الموارد السياسية والعسكرية والمالية الضخمة -كالسعودية والإمارات وإيران- لإلحاق الهزيمة بحركة التغيير والتحول الديمقراطي. اعتبر معسكر الثورة المضادة الثورات الديمقراطية تهديداً لامتيازاته وسلطاته ونفوذه داخل الشرق الأوسط. أيضاً لم تجد الثورات العربية حلفاء دوليين أقوياء يحمونها في لحظات التغيير الحاسمة. في عالم مترابط لم تنجح أي عملية تحول ديمقراطي بدون مساندة خارجية -إسبانيا، البرتغال، أوربا الشرقية. لكن المساندة الغربية للثورات العربية كانت بطيئة ومترددة وتحولت إلى لامبالاة أو عودة إلى سياسة «الشيطان الذي نعرفه…».
التنازل عن السلطة أو شنّ الحرب
كان ثمة شيء محدد حول سوريا. في كل حالات التغيير السياسي أثناء القرن الماضي كان على الطبقات الحاكمة، عندما تُواجه معارضة شعبية واسعة، أن تختار بين طريقين رئيسيتين: التنازل عن السلطة، أو شن حرب ضد الشعب. طغاةُ كالقذافي والأسد اختاروا المواجهة. تم إسقاط القذافي بتدخل أجنبي حاسم، في حين تَحصَّن الأسد خلف شكل دموي من الطائفية. حالما اكتشف عجزه عن تحقيق النصر ضد الثورة قام بطلب الدعم الطائفي الإقليمي. وعندما فشل مع حلفائه الإقليميين لم يتردد باللجوء للروس، ولو على حساب فقدانه للسيادة.
صحيحٌ أن الثورة العربية قد أخفقت في تحقيق أهدافها، لكن أسباب هذا الإخفاق كانت أكبر بكثير من نقائص حركة الشعب وقوى المعارضة، وما يتوجب علينا تذكره هو أن الإخفاق الحالي ليس نهاية الطريق. في مسار تاريخي بالغ التعقيد لعملية التحول لا يوجد شيء اسمه نهاية الطريق.
*مفكر فلسطيني مختص بالتاريخ المعاصر