- Home
- مقالات
- رادار المدينة
ظاهرة التشيع في مدينة اللاذقية .. التميّز والشعور بالأهمية سببان يضافان إلى الأسباب المادية
رغم وجود ظاهرة التشيع في مدينة اللاذقية الخاضعة لسيطرة قوات النظام قبل اندلاع الثورة بسنوات لكنها لا تقارن بما يحدث الآن، حيث شهدت المدينة خلال العاميين الماضيين ارتفاعاً كبيراً في عدد الأسر التي دخلت إلى المذهب الشيعي وسط تشجيع من قبل النظام وغياب لأي مانع أو رقابة للحد من هذه الظاهرة.
من الممكن الحديث عن أسباب كثيرة وراء التشيع، أبرزها الوضع المادي السيء وانتشار الجهل والفقر، فالقائمون على ظاهرة التشيع يعملون على استغلال حاجات الناس ويقدمون الكثير من المغريات والتسهيلات المادية، لكن تبقى أسباب معنوية أخرى بعيدة عن المناقشة- يأتي في مقدمتها المكانة الرمزية والشعور بالأهمية التي يحوزها المنتسبون إلى المذهب الشيعي وسط جو عام تفرضه استعانة النظام في حربه ضد معارضيه بالمقاتلين الجذريين من شيعة لبنان وإيران.
يتزامن هذا الوضع مع بناء عدد كبير من الحسينيات داخل أحياء المدينة وفي القرى المحيطة بها كعين التينة ودمسرخو، فضلاً عن "جامع الرسول الأعظم" في حي شريتح الذي يعتبر من أهم المعالم الدينية للشيعة في اللاذقية، فلهذا البناء أنشطة مختلفة دينية ودعوية وسياسية وإغاثية وإنسانية، ففيه يجتمع الأطفال بشكل دوري ويحضرون "دروس ومحاضرات" عن المذهب الشيعي مع تقديم الكثير من الهدايا والألعاب وإجراء مسابقات لهم، ويتم عبره تقديم مساعدات بشكل دائم لذوي الجرحى والقتلى في المدينة.
يتحدث الناشط من مدينة اللاذقية محمد عبدالله لعين المدينة، أن الأسر التي تختار التوجه نحو الطائفة الشيعية تتوزع بين العلويين والسنة، وكل أسرة أو شخص له أسباب ودوافع مختلفة ولكن النسبة كبيرة، "نحن نسمع عن عشرات الأسر شهرياً التي تعلن انتماءها لهذا المذهب، وبعضهم يبدأ بتعلم اللغة الفارسية فالتغيير يحدث على كافة الأصعدة الثقافية والدينية والعادات اليومية والعمل". ويتزامن التشيع مع عزلة كاملة للأسر المنخرطة فيه، فتقتصر لقاءاتها على الأسر الشيعية الأخرى، بعد أن يكونوا قد قطعوا علاقاتهم بشكل كلي تقريباً مع المجتمع المحيط من أقارب أو جيران، رغم محاولتهم إخفاء تشيعهم.
يتابع الناشط في وصف التغيرات التي تطرأ على المتشيعين بأن النساء ترتدي النقاب وتمتنع عن مجالسة الرجال أو الخروج من المنزل، كذلك يقومون بشكل مباشر بمنع الأطفال من الذهاب إلى المدارس، ليقتصر التعليم على الحسينيات وجامع الرسول الأعظم، الذي يوفّر منح دراسية إلى إيران، ويرى أن أغلب المناطق التي تنتشر فيها ظاهرة التشيع هي الأحياء الشعبية الفقيرة كحي الرمل الجنوبي والشمالي والشاليهات والمشاريع والقرى العلوية المحيطة باللاذقية، فيما يلعب التجنيد في الكتائب التابعة ﻹيران وحزب الله دوراً كبيراً في تشيع الشبان الذين يحصلون على رواتب مرتفعة تصل إلى 300 دولار، وحصول عوائلهم على مساعدات شهرية ومنازل ورواتب من قبل الجهات التي تعمل على نشر المذهب.
ففي حين يعاني أهالي مدينة اللاذقية بشكل كبير من سوء الخدمات والنقص في كافة حاجاتهم الأساسية، تحظى الأسر الشيعية بكل ما يحتاجه أفرادها من رعاية صحية إلى مواد التدفئة خلال فصل الشتاء ومساعدات إغاثية، بحسب ما يرصد جيران وأقارب بعض العوائل التي تشيعت، "فالعمل منظّم والهدف في زيادة العدد يتم من خلال تمييزهم عن كافة سكان المدينة الآخرين"، يصل التمييز إلى وعود العازبين بالزواج والدراسة وتأمين منازل وفرص عمل، وسط معلومات عن السعي لإنشاء كلية شيعية داخل جامعة تشرين في اللاذقية.
عماد فايز أحد الشبان الذين انضموا إلى المذهب الشيعي قبل اندلاع الثورة بعدة سنوات داخل مدينة اللاذقية، كان وقتها يسكن حي الرمل الجنوبي، ويعاني وضعاً مادياً سيئاً بسبب عدم قدرته على تأمين عمل لنفسه في وسط لا ينظر كثيراً في أوضاع مشابهة لوضعه، فهو شاب غير متعلم ومن أسرة عادية لا تملك أي واسطة أو محسوبيات في الدولة، لديه ثلاثة أطفال وفي أغلب الأيام كان أولاده ينامون دون طعام. عبر أحد أصدقائه عُرض عليه الدخول في المذهب الشيعي مقابل راتب شهري مقداره عشرة آلاف ليرة سورية حينها، وافق عماد على الفكرة لتتغير مظاهر حياته من ذلك الوقت: تغيير أسماء أطفاله بعد اختيار أسماء جديدة تتناسب مع طائفته والتوقف عن إرسالهم إلى المدرسة، والبدء بإنجاب إخوة لهم دون أي تسجيل أو اعتراف بهم في القيود الرسمية للسجلات المدنية، وإزالة التلفاز من منزله، ومنع زوجته من الخروج ومقابلة أي شخص حتى أقرب الناس لها كأخوتها.
حاول عماد أيضاً إقناع باقي أفراد أسرته بالانضام إلى المذهب، وكان يضغط عليهم ويفتعل المشاكل معهم بشكل يومي لذلك الغرض، لكن كان الأمر غريباً بحسب أحد أخوته، الذي كان يستغرب كل التفاصيل الجديدة في حياة أخيه، منها عدم تناوله أي طعام يحتوي لحوم من منزل أخوته، ويبرر ذلك بأنه يأكل اللحم الذي يُقدّم له من قبل من يعمل معهم لأنهم "يذبحونه بطريقة خاصة على الدين الصحيح"، كذلك كان يضع الكثير من الصور والرموز الدينية ويستمع للأغاني واللطميات بشكل دائم. أُجبر عماد على ترك منزله في حي الرمل والتوجه نحو حي الست زينب في دمشق مع بداية الثورة مع سيطرة الثوار على حي الرمل الجنوبي، ثم عاد مجدداً بعد هدوء الوضع وسيطرة النظام على الحي.
وتلعب الأسر النازحة والوافدة خلال سنوات الحرب إلى اللاذقية دوراً كبيراً في التشيع، من خلال دخولهم السريع في المذهب والعمل على نشره أيضاً، فهناك عدد من النساء من مدينة حلب يتوجهن بشكل يومي نحو الأحياء الفقيرة والأرياف في محيط اللاذقية، ويعرضن على الأرامل -خاصةً- مبالغ مالية كبيرة وراتب شهري ثابت مقداره مئة ألف ليرة سورية (ما يعادل مئتين دولار أمريكي) مقابل التشيع، بحسب ما يفيد البعض، بينما يقوم بعض المشايخ والمثقفين من أبناء اللاذقية بحملات توعية تستهدف الشباب للحد من هذا الأمر، والحديث عن مدى خطورته على المجتمع وعلى باقي الطوائف، ولكنها تظل بشكل سري من خلال نصح الأقارب والمعارف والجيران، خوفاً من الاعتقال الذي قد يطال كل من يقف في وجه تمدد إيران وحزب الله.
يوضح سالم (أحد الشباب الذي ترك اللاذقية قبل عدة أسابيع وتوجه نحو مناطق المعارضة) لعين المدينة، أن وضع المدينة و"الخليط الاجتماعي" الذي يعيش فيها يلعب دوراً في الظاهرة، فهناك مئات الأسر الإيرانية والشيعية القادمة من لبنان مع المقاتلين من البلدين، وتستقر في بعض أحياء المدينة، إضافة إلى العوائل التي جاءت من كفريا والفوعة، والأسر الفقيرة النازحة من محافظات حلب وحماة ومن الريف، ومئات العوائل من ذوي القتلى وأسر المعتقلين، قسم منها مشرد في الطرقات وتعاني غالبية منها الفقر والجهل، ما يمنعها من الوقوف على خطورة الأمر في المستقبل، مشيراً إلى أن القائمين على أعمال التشيع يلعبون على عدة أمور، أخطرها الفرض على كل أسرة تدخل في المذهب الشيعي إدخال عدد من الأسر الأخرى كواجب عليها.
وعن غياب دور النظام في وقف المد الشيعي فقد أكد الشاب، أن أولويته حالياً هي القضاء على المعارضة، و "المقاتلون الشيعة يحاربون إلى جانب النظام وهو لا يريد أن يخسرهم، لذلك لهم الحرية في كل ما يقومون به دون خوف أو رادع؛ بينما ينتشر الحذر والخوف الشديد بين الأهالي حين يمارسون الطقوس الدينية بالطريقة التي ورثوها، عدا عن خوفهم من التحذير من خطر التشيع على التركيبة الاجتماعية".