- Home
- مقالات
- رادار المدينة
طريق الحالمين بالجنة .. قصص عن الفشل في الهجرة من القامشلي إلى أوروبا
تخفي مأساة الهجرة الجماعية السورية مأساة جماعية أخرى تترجمها الرغبة بالرحيل وعمل المستحيل في سبيل ذلك، وكذلك تخفي خسارة كل أولئك الذين فشلوا في تحقيق طموحهم بالوصول إلى مكان يستطيعون الوقوف عليه، وهو أراضي الاتحاد الأوروبي بالنسبة للكثيرين منهم.
يحاول الكثير من الشبان السوريين الوصول إلى أوروبا لدوافع عدة أبرزها البحث عن الأمان وكسب الرزق ومساعدة عائلاتهم وتكوين حياة جديدة، ولكن المحاولات عادة ما تصطدم بعوائق كثيرة، إن كان ذلك داخل الأراضي السورية أو في محطة من المحطات التي يمر بها المهاجرون في طريقهم إلى أوروبا. ومنهم من يعيد المحاولة أملاً باجتياز العوائق، ومنهم من لا يستطيع الخروج منها فيضطر إلى الخضوع للواقع.
علي من أبناء حارة طي الخاضعة لقوات النظام في مدينة القامشلي، اتجه إلى مدينة رأس العين الحدودية منذ فترة قريبة على دراجة نارية دفع لصاحبها 150 ألف ليرة سورية، ومن هناك بدأ بمحاولة التسلل إلى الأراضي التركية. وعن تجربته يروي أن أولى المحاولات كانت مع سبعة أشخاص لا يتجاوزون العشرين من أعمارهم، استطاع واحد منهم فقط عبور الحدود والباقي أمسكت به قوات حرس الحدود التركية.
ويضيف علي "تعرضنا للضرب عندهم، وبعدها سلمونا للشرطة العسكرية (التابعة للجيش الوطني) التي ضربتنا بدورها، وغرمت كل شخص منا ب 200 ليرة تركية".
في محاولات لاحقة حاول علي الدخول إلى تركيا عبر المستشفى الوطني، كونه يعاني مرضاً بالدم، فاستخرج بطاقة شخصية من المجلس المحلي لمدينة رأس العين، لكن المستشفى طلبت منه الانتظار ستة أشهر ليأتي دوره بالدخول إلى تركيا لتلقي العلاج. لم يسعف الصبر علي في فترة الانتظار، فحاول التسلل عبر الحدود مرتين أخريين ولكن "نفس الفيلم" حسب تعبيره، إذ كان على موعد مع حرس الحدود والضرب والفشل ثم اليأس.
يحاول اليوم أهل علي إقناعه بإعادة المحاولة، خاصة أنه لا مدرسة في حيه لكي يرتادها، ويعجز ذووه عن دفع أجور نقله اليومية إلى أقرب مدرسة، وهم الذين أقنعوه بالتوجه إلى أوروبا ليكون المخلص لهم من ضيق الحال، في الوقت الذي بلغ فيه 17 عاماً، و سيطلب بعد فترة للتجنيد الإجباري.
يقول أخوه أن علي يشترط على أهله "إن أردتم أن أعبر إلى تركيا، فأمنوا لي طريقاً بدون ضرب".
تحتضن تركيا 3,7 ملايين سوري وفق قانون الحماية المؤقتة، حسب آخر تصريح لوزير داخليتها سليمان صويلو. ولأسباب متعددة على رأسها الاقتصادية، يفكر كثير من الشبان السوريين فيها بمتابعة الهجرة إلى أوروبا، وأحد هؤلاء يوسف.
يوسف (20 عاماً) من بلدة تل حميس بريف القامشلي، استطاع الوصول إلى تركيا منذ ثلاثة أشهر هرباً من التجنيد الإجباري الذي تفرضه "الإدارة الذاتية" في مناطق سيطرتها، واستقر في ولاية ماردين القريبة من الحدود السورية. يقول أنه استطاع جمع 800 ألف ليرة سورية من عمله في سوريا، المبلغ الذي أوصله فقط إلى سلوك التابعة لمدينة تل أبيض، أما حلمه فكان الوصول إلى أوروبا.
وضع نفاد المال من يوسف ذويه في حرج، وعندما قرروا مساندته في إتمام رحلته اضطروا إلى بيع بقرتين يملكونها، ليتابع الطريق مع قرابة 50 شخصاً نحو الأراضي التركية. وبينما أمسك حرس الحدود التركي بالمجموعة، استطاع يوسف الإفلات مع ثلاثة أشخاص بعد أن تواروا في حقل ذرة، ومن هناك استمروا بالتقدم حتى اجتازوا الحدود.
يعمل الشاب حالياً بمهن غير مستقرة ولا تحتاج إلى مهارة، ويسكن مع شبان آخرين من الحسكة في بيت بإيجار 800 ليرة تركية. ويختم بيأس "كلفني وصولي إلى تركيا 1500 دولار، بينما أحتاج للوصول إلى أوروبا 7000 دولار. لم يبق عندنا بقر نبيعه. في هذه الأيام الأخ لا يعطي أخاه فرنكاً".
تعتبر تركيا مقبرة طموح الكثير من السوريين في الهجرة إلى أوروبا منذ الربع الأول من العام 2016، حين وقعت تركيا والاتحاد الأوروبي في آذار من ذلك العام اتفاقاً خاصاً باللاجئين، ينص على التزام تركيا بالتصدي للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من أراضيها مقابل مساعدات مالية تتلقاها من الاتحاد الأوروبي، ومنذئذ صار الواصلون من السوريين إلى أوروبا بشكل قانوني يضمهم الاتفاق السابق.
رغم ذلك لم تتوقف محاولات هجرة السوريين عبر تركيا إلى أوروبا بطرق غير شرعية، لكن مع تشديدات مضاعفة واحتمال صعوبات جمة وخسارة الكثير من الأموال.
فراس قدم من الحسكة إلى تركيا عبر الحدود منذ ست سنوات، وحاول مؤخراً متابعة طريقه إلى أوروبا، فاستطاع الوصول أربع مرات إلى الأراضي البلغارية من ولاية أدرنة الحدودية، لكن حرس الحدود البلغاري أعاده إلى الأراضي التركية في كل مرة.
يقول الشاب البالغ من العمر 22 عاماً، أنه تعرض للضرب المبرح مع رفاقه من حرس الحدود البلغاري في المرات الأربع التي عبر الحدود فيها، وأنهم تعرضوا كذلك للإهانة في إحدى المرات، حيث أجبرتهم دورية الحرس على خلع أحذيتهم بعد أن صادرت حقائبهم وهواتفهم المحمولة، ويتابع "وضعونا في سيارات وقسمونا إلى ثلاث مجموعات وأجبرونا على العودة إلى الأراضي التركية من أماكن مختلفة على الحدود".
خسر فراس خلال هذه المحاولات "مبلغ التأمين 200 يورو" الذي أودعه لدى طرف طرف ثالث يثق به المهرب لضمان الأخير تحصيل أجوره التي اتفق مع فراس عليها وهي 3000 يورو مقابل إيصاله إلى العاصمة صوفيا، بالإضافة إلى مصروف فراس الشخصي، حسب قوله.
وبينما يعيش الكثير من السوريين عالقين على حدود الاتحاد الأوروبي في اليونان وعلى حدودها البرية مع تركيا، ومؤخراً في بيلاروسيا على حدودها مع بولندا، وغيرهما؛ كانت قد أعلنت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" أنّ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أراضي الاتحاد الأوروبي تجاوز 82 ألفاً حتى آب الماضي، وأن عدد المهاجرين السوريين بينهم تضاعف مقارنة بالعام 2020.
وصل فؤاد "26 عاماً" إلى ألمانيا منذ شهرين عبر أراضي اليونان التي تعد أصعب محطات الطريق حسب قوله، "بعدها الطريق سهل حتى اذا انمسكت" في طريق الهجرة إلى ألمانيا التي تعبر ألبانيا ثم كوسوفو وصربيا وهنغاريا والنمسا.
يلي اجتياز عقبة اليونان في الصعوبة عبور الحدود الصربية الهنغارية، بسبب وجود أسلاك شائكة ارتفاعها أكثر من أربعة أمتار، "بس المهرب يكون مزبط الوضع وجايب سلم" يوضح فؤاد.
ويختم ناصحاً إياي "الرحلة مع مصروفي الشخصي كلفتني 6000 دولار. حتى لو تموت على الطريق تعال. الحياة هين زينة زينة، بس أجّل الطلعة هسع بالشتوية صعب الطريق".