- Home
- مقالات
- رادار المدينة
سوريون بين الأتراك ..صفحة من حياة اللجوء في تركيا
أضحى الحال المعاش للسوريين اللاجئين في تركيا يتجاوز الحد المعقول والمحتمل على جميع الصعد، ابتداءً من أدنى متطلبات العيش المتمثل بالمأوى مروراً بتحصيل لقمة العيش وانتهاءً بطلب العلم في المدارس والجامعات، وما بين كل تلك المطالب تدور الدوائر على السوريين اللاجئين.
البدايات والتطورات..
في 29 إبريل 2011 عبرت أول قافلة من اللاجئين السوريين الحدود إلى تركيا؛ والآن، وبعد مرور أكثر من خمسة أعوام على ذلك، تستضيف تركيا أكثر من مليوني لاجئ موزعين بين المخيمات والولايات التركية كافة. قصدوها بحثاً عن الأمان وهرباً من صراع مروع، تاركين وراءهم ذويهم وأعمالهم وممتلكاتهم. وللإنصاف، فالحكومة التركية عندما فتحت حدودها أمام اللاجئين السوريين، قامت بتقديم المساعدة لهم على الفور، والحماية المؤقتة بعد بضعة أشهر، باعتبارهم (ضيوفاً) وليسوا لاجئين، كما صرحت حكومتها وتصرّح دائماً، إذ كان من المتوقع أن تُحلّ الأزمة في سوريا بسرعة إلى حد ما، وأن يعود اللاجئون إلى وطنهم سريعاً؛ إلا أنّ الأزمة قد طالت أكثر من المتوقع، بل ازدادت سوءاً بالتوازي مع الدمار والتشرد والتشرذم.
ومع اشتداد ذلك الصراع، وما من نهاية له تلوح في الأفق، وانكماش موارد الحكومة التركية والمجتمع الدولي المخصصة للاجئين، تُطرح أسئلة حول حدود (الضيافة) في تركيا، خاصة بعد إغلاقها المعابر مع سوريا وامتناعها عن استقبال موجاتٍ سورية أخرى؛ فمما لا شكّ فيه أنّ استمرار تدهور الوضع داخل سوريا، يضغط بشكل كبير على تركيا بشأن قدرتها على إدارة وضع اللاجئين داخل أراضيها وعلى ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، واستجابتها لتدفق اللاجئين المستمر، ومعالجة القضايا الأمنية الناتجة عنه، وضبط الأجسام السورية الناشئة التي تتزايد على أراضيها يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة ، كمؤسسات الإغاثة والصحة والتعليم، ومؤسسات الإدارة المعارضة المتمثلة بالحكومة والائتلاف.
في ظل اعتراض بعض الأطراف السياسية والاجتماعية التركية التي بدأت تتذمّر من وجود اللاجئين السوريين، وما يشكلونه الآن من ازدحام سكني وارتفاع في الأجور، وازدياد العمالة السورية في المعامل والمصانع التركية، نتيجة رخص اليد العاملة السورية، جعلهم يتحينون الفرص ويقتنصون الزلّات لشحن المجتمع التركي ضد حكومتهم التي استقبلت السوريين ومنحتهم الحماية. بالإضافة إلى ممارسات بعض السوريين المسيئة للمجتمع والأخلاق، وخاصة في المدن الحدودية التي تحوي الأكثرية اللاجئة!، دفعت تلك الأطراف التي ذكرناها لتحميل الأخطاء على كل من حمل التسمية السورية، رغم أن السوريين أنفسهم هم المتضرر من تلك الممارسات أكثر من أصحاب الأرض المضيفة.
التسول
يستغل بعض ذوي الأصول المتحدرة من المدن الحدودية بين سوريا وتركيا من الذين يتقنون اللغة العربية بلكنة تلك المدن، يستغلون وجود السوريين في المدن الكبرى كأنقرة وإسطنبول ومرسين، ويقومون بأعمال التسول باسمهم، ما دفع الحكومة التركية لاتخاذ بعض الإجراءات بسبب زيادة الظاهرة. وينشط معظم أولئك المتسولين في أيام الجمعة عند أوقات الصلاة على أبواب الجوامع والمساجد، كذلك بداخل وسائل النقل الداخلي «الميترو والميتروبوس» وغيرها، وهم يحملون هوية أو جواز سفر سوري، في الغالب ما يكون مسروقاً أو مزوراً، مدّعين أنهم لاجئون يعانون الفقر؛ ما حدا بمحافظ إسطنبول إلى القول إنّ «الحكومة التركية ستتخذ إجراءات جدية حيال فئة مدّعية بأنها سورية، وبعض السوريين، ممن يُقلقون سكان مدينة إسطنبول، ويسيئون لسمعة الشعب السوري» وأشار بصفة خاصة إلى المتسولين.
والجدير بالذكر بأن السوريين القاطنين في تلك المدن الكبرى هم إما من أفراد الطبقة الغنيّة من تجّار وأصحاب مصانع ومعامل ومحال كبرى، أو الوسطى من أطبّاء ومعلّمين في المدارس، أو عاملين في المعامل والمطاعم والمحال التركية والسورية، ما يعني أنهم فوق خط الفقر المؤدّي إلى حالات التسوّل.
كما أن غالبية اللاجئين المتواجدين ضمن المخيمات والمدن الحدودية ممّن فقدوا منازلهم وأموالهم في الداخل السوري، يأبون العمل في تلك (المهنة)، وتقوم الحكومة التركية وبعض المنظمات بتأمين مستلزمات عيشهم.
السوريون قتلة ومغتصبون!
في مدينة غازي عينتاب الحدودية مع سوريا، والتي يقطنها قسم كبير من لاجئي المدن الحدودية، انتشرت منذ عدة أشهر قصة الرجل السوري الذي قام بطعن صاحب المنزل الذي يقطن فيه بحجة مشاجرة حول تحصيل الآجار، ما أدّى إلى مقتل المسن التركي، الأمر الذي دفع العديد من أتراك المدينة للخروج في مظاهرة تنادي بخروج السوريين من المدينة، وقاموا بتكسير محالهم ومطاعمهم وسياراتهم. وتم على أثر ذلك نقل أكثر من 400 لاجئ سوري من المدينة إلى بعض المخيمات. وكعادة الحكومة التركية، فقد وجهت كلمة لأهالي المدينة تدعوهم فيها إلى (ضبط الأعصاب وعدم الانجرار وراء تحريض البعض، والتسامح مع الضيوف، وعدم تعميم الجريمة على مطلق السوريين.)
بعد أيام من الحادثة خرج بعض الشهود، ومن بينهم أتراك متعاطفين مع السوريين، ليدلوا بدلوهم، حيث قالوا: السبب يعود إلى قيام التركي (المغدور) بابتزاز الرجل السوري، حيث أراد الزواج من ابنته، وقام بالتحرش بالفتاة قبل أن تتفاقم المشكلة وتصل إلى جريمة القتل. وبغض النظر عن صحة السبب الرئيسي للحادثة من عدمها، عمّت أصداؤها أرجاء البلد، وتأثر بها القاصي والداني، وعانى منها السوري من أقصى البلاد إلى أقصاها.
تبع تلك الحادثة أيضاً ما حصل في مدينة اسكندرون..
فتى سوري في الرابعة عشر من عمره، يعمل في مخبز في المدينة، قيل إنه تحرش جنسياً بطفل تركي في الثامنة. تبع ذلك كالعادة تجمّعُ حشودٍ من الأهالي وهجومهم على محلات للسوريين وبيوتهم، ثم تدخُّل الشرطة، وهتافات: لا نريد السوريين بيننا! وحين قبضت الشرطة على الفتى، تم التحقيق معه، وأخضع الطفل الضحية لفحص طبي، أكدت نتيجته أنه لم يتعرض للتحرش.مع ذلك فقد انتشرت القصة انتشار البراميل المتفجرة في سوريا، وأضحى «السوري» بالمطلق عبارة عن قاتل ومغتصب أطفال!
السوريون على بعضهم البعض
لا شك فيه بأن الحروب، وما يتمخض عنها من لجوء وتشرد وحرمان، تفرز جميع الأشكال والأنواع البشرية التي كان معظمها كامنا أو مستترا في فترات الاستقرار، لتظهر بشكل واضح وجلي بعد الفوضى وغياب الأمن والبعد عن الرقيب والضابط الاجتماعي. ينطبق هذا على جميع الشعوب التي عايشت تلك الظروف بما فيها الشعب السوري؛ فقد ظهر الكثير من الانتهازيين والانتفاعيين الذين استفادوا من الوضع القائم في سوريا، ليستغلوا أبناء جلدتهم في دول النزوح وعلى الأخص تركيا، فظهرت طبقة (الوشيشة) أو السماسرة وطبقة المزورين وطبقة المهرّبين والمشغّلين والمؤجّرين والمترجمين.. وجميعهم يتقاطعون في عمليات قبض الأموال من السوري قليل الحيلة وطالب السِتر، فيتقاذفه جميع هؤلاء من اللحظة التي يضع قدمه في تركيا إلى أن يشاء الله.
فقد استفاد بعض (الوسطاء) السوريين من تعلّمهم اللغة التركية وخبرتهم بمناطق وأحياء المدن نتيجة طول فترة مكوثهم فيها، فقاموا بتصميم عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، جميعها تتعلق بشقق الآجار للسوريين ولكن دون مكتب، وإنما عن طريق التواصل مع صاحب المكتب التركي، لتغدو قيمة (الدلالة/الكومسيون) تصل إلى ضعفي قيمة الآجار! (في حين تبلغ قيمة آجار شهر لدى الوسيط التركي ) كما وقد تخلل ذلك الكثير من عمليات النصب والاحتيال على السوريين من قبل أولئك، حيث يقومون بالقبض من أكثر من مستأجر لنفس العقار، ثم يختفون من الصفحة الافتراضية مع تغيير رقم الاتصال!
أما القادرون على استئجار مساكن لائقة، ويتمتعون بمستوى دخل الطبقات المتوسطة في تركيا، وقسم منهم يملكون سياراتهم الخاصة بلوحات سورية تمّ تتريكها لاحقاً، وهذه «الطبقة المعارضة» لنظام دمشق، لها مستغلّوها ووسطاؤها ومسيّروا أعمالها أيضاً، حيث خصّصت لها صفحات على الشبكة العنكبوتية ممن تهتم بآجار وبيع (الفلل) والبيوت المفروشة الفاخرة والسيارات الفارهة والشقق السياحية في مناطق السياحة التركية، بالإضافة إلى إعلانات لصالات أفراح وأعراس و(ديسكو) ويخوت بحرية للحفلات والأعراس والرحلات، ناهيك عن المدارس الخاصة لأبنائهم التي يزيد قسطها السنوي على 2000 دولار سنوياً. ويمكن القول، بشيء من التعميم، إن هؤلاء بغالبيتهم من التجار والطبقة المتوسطة ونشطاء سلميين حصلوا على وظائف في مؤسسات المعارضة أو المنظمات الدولية العاملة انطلاقاً من الأراضي التركية؛ إلى جانب تلك الطبقة التي لجأت بأموالها وشركاتها الخاصة بسبب ما لحقها من ركود اقتصادي جرّاء ما يحصل، ومعظمها لا تمت للمعارضة بصلة ولا للثورة، بل همّها الوحيد تحسين وضعها المعاشي ومتابعة أعمالها التجارية، ولا ضير إن تغيّر النظام أم لم يتغير.
أما ما يتعلّق بتشغيل العمال السوريين، فقد نشأت ظاهرة التشغيل بـ «النسبة»، حيث يقوم الوسيط السوري بإرسال أحد العمال السوريين إلى أحد المعامل أو المصانع لقاء مبلغ من المال يصل أحياناً إلى ثلث راتب العامل، وغالباً ما يكون صاحب ذلك المعمل «التركي» متفقاً مع الوسيط على تقاسم المبلغ!
بالإضافة لكل ما سبق، لا يتوانى البعض عن تقديم خدماتهم بشكل سافر من خلال الإعلانات عن تأمين كل ما يتعلق بأوراق مزورة من جوازات سفر وشهادات جامعية ومدرسية وعقود زواج وكل ما يخطر في بال المواطن من وثائق مزورة تصل للدكتوراه.
والحال، يبدو أن اللاجئ السوري صار ينطبق عليه القول: كالذي هرب من دب ليقع في جب؛ فلا غرابة حين نسمع عن عائلات بأكملها آثرت العودة إلى منازلها المهدمة في سوريا، والعيش تحت القصف، أو إلى المدن التي تسيطر عليها داعش أوالنظام طلباً للعمل في مؤسساتهم أو مبايعتهم والقتال في صفهم طمعاً بلقمة العيش ليس إلا.