- Home
- مقالات
- رأي
سورية المستقبلبين الكانتونات والمجالس المحلية
ما نشاهده مؤخراً في سورية، عقب الاتفاق على مناطق خفض التصعيد، يشير إلى ترتيب مناطق نفوذ تخضع لمصالح الراعي أو الحامي. ويتأكد الأمر إذا تذكرنا التعابير التي وردت في صيغة الدستور الذي قدمته روسيا لكل من النظام والمعارضة، مثل جمعية الشعب وجمعية المدن، كصيغ جديدة من توزيع السلطات ونظام الحكم في سورية.
لهذه الصيغ جذور في مفهوم إدارة الكيانات الصغرى، وهو السوسيوقراطية، أي حكم المجتمع من خلال اللجان والمجالس المحلية بإشراف أجنبي، وعندها ينحصر الأمر باختيار ممثلك في أصغر وحدة بشرية، كصيغة بديلة عن الديمقراطية: حكم الشعب الذي يقرر مصيره عبر المشاركة الشعبية في رسم سياسة البلد ومحاسبة المسؤولين عن فشلها، بينما يتمثل مفهوم السوسيوقراطية في حكم مجالس ومجموعات منفصلة تحت الإشراف.
وقد يصلح هذا المفهوم لإدارة شركة أو منظمة مجتمع مدني أو غيرها من الهيئات، بما فيها نظم الإدارة المحلية، والتي تقتضي توزيع الصلاحيات في اتخاذ القرار بين دوائر هذه المنظمة أو الشركة التي تملكها أو تديرها جهة متحكمة في المجال العام، ودون الاهتمام بالمجال المحيط أبداً. وتتلاقى السوسيوقراطية مع تطلعات النخبة الموثوقة وذات الأهلية لممارسة الحكم في حق غالبيةٍ من غير المؤهلين لممارسة دورهم، بمعنى أنهم قاصرون عن الوصول إلى حالة النخبة أو الناس المتمكنين من ذلك!
يلاحظ المتابع للشأن السوري الذي تحول إلى قضية إقليمية ودولية، وما يطرح من مشاريع حلول في تلك الدوائر، رغم أنها لم تتضح بعد أو لم يتم الاتفاق عليها بشكل نهائي؛ أنها تشي بشيء من تحويل البلد إلى مجموعة من الكانتونات والأقاليم الصغيرة التي تشابه في وضعها الشركات الكبيرة التي تتبع بلداً ما، وبالتالي تحتاج إلى مجلس إدارة تحت وصاية البلد الراعي، مما يمهد للقول بأن السوسيوقراطية هي الشكل المناسب لإدارة هذه الشركة/القسم من الأراضي والثروات الواقعة فيها، من قبل أناس يتمتعون بشيء من الخبرة وكثير من العمالة.
وفي هذه الشركات هناك ضرورة للحديث عن الحوكمة بما هي طريقة للإدارة الناجحة، وللترشيد بمعنى السبل المثلى التي تضمن بقاء واستمرارية هذه الكانتونات، وبالتالي المردودية التي تحققها هذه الإدارات التابعة. وبالطبع لن ننسى ما يتمتع به «الرئيس التنفيذي» في هذه الشركات، الذي يشابه كثيراً دور الحاكم المستبد.
وربما كانت الغاية الأساسية من طرح مشاريع كهذه، عدا عن النزعة النخبوية والممهدة حتماً للاستبداد في صيغة السوسيوقراطية، هو انتزاع صفة السيادة عن البلد وتحويله إلى مجموعة شركات أو مقاطعات ذات حكم مستقل، قائمة على أساس عرقي أو مذهبي، وبالتالي تقسيمه من الناحية العملية. والأكثر أهمية انتزاع المطالب المحقة للشعب بحريته وكرامته، وهما الأمران الذي قدم من أجلهما قسراً أو طواعية مئات الألوف من البشر، ومثلهم أو أقل بقليل من المعتقلين الذين مات كثير منهم أثناء التعذيب، ومن لم يمت أصبح معاقاً أو تحول إلى التطرف أو هرب في المنافي تائهاً بين هموم الحياة وذكريات الاعتقال والموت.
الغاية واضحة جداً إذاً، ألا يبقى شعب، ولا بلد، ولا قضية، بل مكونات وكانتونات.
وما يجري في سورية، وخاصة في العام الأخير 2016 وحتى يومنا هذا، بعد أن أصبحت محط صراع إقليمي ودولي على تقاسم النفوذ عبر الأدوات، يشير إلى نية بعض الجماعات العرقية، أو الطائفية، التشارك مع أي جهة فاعلة من أجل تحقيق ما تطمح إليه تلك الجماعة، ناسفة الحدود بين السياسة العملية التي تعتمد مصالح البلد وسكانه نحو سياسة فئوية انتهازية محورها الانبطاح أمام الجميع، غير مدركة أن الذين يفترشون الأرض على بطونهم لا يمكنهم ولا يحق لهم المطالبة بحقوق الجماعات والشعوب.
وبالتالي فإن الرد الطبيعي، رغم كل الظروف القاهرة من انكسارات محلية واقتتال داخلي، هو الاجتماع حول غاية الثورة: سورية بلد واحد، وتحتاج إلى حكم يتميز بالمشاركة ويؤمّن الحقوق والحريات للجميع، وذلك بالاعتماد على الذات أولاً، وبالاستفادة من الصراع الدائر على أرضها لتحقيق ما يمكن من أهدافها وتطلعات الذين قضوا من أجل هذه الأهداف، والتكامل بين أدوار المجالس المحلية وصولاً إلى حكم الشعب، بدلاً من حكم الكانتونات.