- Home
- مقالات
- رادار المدينة
سوء التغذية وضعف الرعاية الصحيةفصل جديد من معاناة الحوامل
عانت النساء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من ظروف معيشية وصحية صعبة، نظراً لاستهداف المشافي والمراكز الطبية من قبل الطيران بشكل مستمر وخروجها عن الخدمة كلياً أو جزئياً، فضلاً عن نقص المعدات والأجهزة الأساسية اللازمة للعمليات الجراحية، وعزوفهن عن اللجوء إلى المشافي في مناطق النظام خشية من الاعتقال أو من مضايقات العناصر على الحواجز والتي قد تصل إلى درجة الاعتداء عليهن بالضرب أو الاغتصاب.
في المدن المحاصرة منعت النساء من الخروج كما منع الرجال، واستخدم التجويع سلاحاً لإخضاع الناس وقبولهم بالأمر الواقع، وكانت الحوامل المتضرر الأكبر بسبب ارتفاع أسعار الغذاء عشرات الأضعاف وفقدان غالبية الأدوية وهجرة معظم الأطباء.
تقول أم عبد الرحمن (35 عاماً) من أهالي داريا الذين هجّروا إلى إدلب: «كانت قدماي النحيلتان لا تساعداني على النهوض بجسدي المتعب والمنهار بسبب فقر الدم وانعدام المواد المغذية في طعامي، فقد أمضيت أسبوعاً بأكمله أتناول فتيت الخبز اليابس بقليل من الحامض. كان الطعام موجوداً لكن أسعاره فوق ما يتخيله عقل؛ فالحصار كان خانقاً والحاجة ملحة ولم يكن بوسعي تحسين نوعية طعامي ليأتي ابني قوي البنية. فكان هاجس أن يأتي المولد مشوهاً لا يفارقني، وعندما ولدته كان وزنه 2 كغ دون الوزن الطبيعي، لكنه الآن بصحة جيدة».
ومن القصص التي تداولها الناس كثيراً قصة المرأة التي وضعت جنينها وهي في الأسبوع الـ27 من الحمل بسبب عناء الوقوف على حواجز قوات النظام لمدة طويلة، ما قدّم الولادة قبل موعدها. إذ خرجت تلك السيدة مع نساء من معضمية الشام لتأمين بعض المواد الغذائية، وبعد أن عبرت حواجز كلٍّ من الدفاع الوطني والفرقة الرابعة والمخابرات الجوية والسومرية هاجمها المخاض فجأة، وبدأ صوتها يعلو بصرخات لم يأبه لها العناصر بل تركوها تلد بمساعدة النساء الأخريات دون أن يسمحوا لها بالعبور أو يطلبوا لها سيارة إسعاف.
وتقول أم عبد الله، المهجرة حديثاً إلى إدلب من حلب الشرقية: «كان قلقي شديداً على ابنتي الحامل بولدها الأول، فبكاؤها مستمرّ خوفاً على الجنين المتبقي لها من زوجها المعتقل لدى قوات النظام منذ خمسة شهور، وتدهورت صحتها بسبب اضطراب في إفراز الغدد لديها. بحثت عن طبيبة اختصاصية بأمراض الغدد فلم أجد لأن غالبية الأطباء تركوا البلد. كل طبيب هاجر وتخلى عن مسؤوليته الله لا يسامحه»، هكذا أنهت أم عبد الله حديثها وهي تبكي.
فيما يقول محمد، وهو طبيب من المهجّرين من حمص: «استقبلنا حالات سوء التغذية والإغماء المتكرر وفقدان الوعي النصفي، بسبب افتقار الطعام إلى المكملات الغذائية أو حتى إلى الغذاء بالنسبة إلى الحامل والمرضع، فتفاقم سوء التغذية يهدد بموت الأم والجنين. ولأننا لم نكن نملك أكياس الدم أو السيروم الغذائي بشكل كاف لتقديمه للمرأة الحامل غدت الحال كارثية. ما تكثر ملاحظته على الحوامل في المناطق المحاصرة ترهلات واضحة في البطن؛ فبدل أن يكبر بطن الحامل وينمو الجنين في الأشهر الأخيرة ينكمش ويترهل من سوء التغذية الشديد وفقر الدم. ورغم ذلك الوضع السيء يأتي الجنين على قيد الحياة بقدرة الله، وربما نتيجة رغبة الأمهات في الاستمرار في إنجاب الأبناء لبناء الوطن الذي فقد الكثير من أبنائه».
سلمى (24 عاماً) إحدى المريضات اللواتي أجرى لها الدكتور محمد عملية دون استخدام المخدر، تحدثنا قائلةً: «كان الألم فظيعاً مع غياب المسكن. لم ينل طفلي سوى القليل من الحليب لأني أعاني أصلاً من سوء التغذية وليس بوسعي تأمين الطعام بشكل كافٍ لأنه غير موجود وإن وجد فبأسعار خيالية. بكاء طفلي الجائع زاد من أوجاعي، ومع عجزي عن فعل شيء له تمنيت الموت عدة مرات».
تقف غالبية المنظمات الطبية عاجزة عن تحسين الوضع بسبب ضعف الإمكانات والحاجات الكبيرة وغياب الكوادر المؤهلة والقصف المستمر للمشافي والنقاط الطبية. وتحاول هذه المنظمات استحداث نقاط طبية جديدة في المناطق المحررة وتدريب كوادر وتأمين معدات خاصة بالمرأة، مثل أجهزة التوليد والعيادات النسائية، لكن هذه المحاولات تبقى ضعيفة وسط الاحتياجات الكبيرة.