- Home
- مقالات
- ملف
رمضان في سوريا: دراما الدم في إدلب
تعود محافظة إدلب لتتصدر عناوين الأخبار مجدداً، وتعود معها الأحاديث عن السيناريوهات المحتملة، وتصبح قضية إدلب مادة دسمة للبرامج التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية.
فبعد هدوء نسبي شهدته المحافظة وفق تفاهمات أستانة التي أقرت تشكيل منطقة عازلة بعمق 15-20 كم وتسير دوريات تركية روسية للفصل بين قوات النظام والمعارضة، وفتح طرق الترانزيت الرئيسية التي تمر من المحافظة؛ خرق هذا الهدوء بأواخر شهر نيسان حين شنت قوات النظام مع حليفها الروسي حملة قصف كبيرة على مناطق ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، أدت لنزوح آلاف العوائل وتقدم النظام بعدة محاور واندلاع معارك كر وفر بين قوات الثوار وشبيحة الأسد.
بدأ التصعيد في الأسواق التي شهدت حركة ملحوظة "بعيداً عن المناطق التي تتعرض للقصف وتشهد معارك"، وتبدل الهدوء إلى ضجة، لكن مع بدء الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك. بسطات العرق سوس والتمر الهندي ومسحر رمضان وأجواء الشعائر الدينية الخاصة بهذا الشهر كانت حاضرة في معظم بلدات وقرى الشمال المحرر، حيث يصر الأهالي على العيش. يصادف أن يتنقل حامد في السوق وهو شاب بالعشرين، لتجهيز بيته في رمضان استعداداً لمراسم زواجه، يقول "بجوز بسبب هالأوضاع مالح اعمل عرس كبير" ويبتسم بخجل مردفاً "بس لح اتزوج". حديث حامد ليس غريباً في إدلب، فأحاديث الأهالي فيها لا تشبه الأحاديث عنها وعنهم.
"شو ماصار بضل رمضان وبدنا نعيش" يقول أبو فؤاد وقد نزح مؤخراً إلى إدلب من مورك بريف حماة، ويقيم في بيت تخلى له صاحبه عن إيجاره بمناسبة رمضان، ويتابع "أكره في هذه الفترة متابعة الأخبار، كلها سوداوية، يعني وإذا النظام تقدم شوي، مو معناها لح يقدر ع المحرر".
أبو عصام تاجر جملة في إدلب يعمل على تجهيز مستودعات كبيرة لبضائع جديدة خاصة بالعيد، لا يبدو مكترثاً بما يجري، وجل اهتمامه بهذا الجانب خارج عمله تأمين عوائل نازحة "وضعي المادي، جيد ويتيح لي مساعدة عشرات العوائل، وبالنسبة للجبهات عنا أسود الله يحميهم." يبالغ أبو عصام متفائلاً، ويستطرد بالقول "نظام الأسد حقو فرنك.. وإدلب كسارة راسو".
السيدة أم نزار وهي مهجرة من داريا وتقيم في إدلب، منهمكة في تجهيز قائمة لأطباق رمضان، وقد كثفت طلعاتها إلى السوق لتأمين كل المستلزمات بما فيها تحضيرات ملابس العيد: "أنا متعودة من زمان جهز غراض العيد قبل رمضان، لأنو بالصيام الطلعة ع السوق صعبة". تتحدث وهي تبتلع ريقها، منشغلة بتنقية الكوسا لتكون طبخة المحاشي جاهزة مع أذان المغرب "أبو نزار بحب بس يأذن فوراً ياكل".
يبدو أن شيئاً لم يتغير، يجتمع الجيران في الحارة ليلاً، ويناول بعضهم بعضاً كاسات الشاي التي أخرجها أقربهم إلى حيث يجلسون في العتمة، يمكن التقاط نتفاً من أحاديثهم والتمييز بين حلقتين، تضم الأولى الرجال: "ارتفعت الأسعار.. انخفضت، الدولار.. السوق تحرك أكثر من.." وبعض الشبان الأكبر سناً "لما صار القصف.. وقت الحملة، السنة قبل الماضية كانت أحلى.."
والشبان في مطلع العمر في الثانية أصواتهم أكثر حدة "انتهيت من دراسة الكتاب قراءةً؛ البوبجي تلهي عن.." ولا يعدم بعض الأصدقاء بعمر 17 عاماً يتحضرون لبدء حضور دورات لغة عربية لتقديم البكالوريا في العام القادم "عام من عام قريب، لازم نبلش تحضير، هاي بكالوريا بدها هز كتاف" يردد أحدهم مخاطباً أصدقاءه الذين كانوا يفضلون الذهاب في الغد لنهر العاصي بدركوش للتنزه. في الخلفية يسمع صوت على موجات "قبضة" لاسلكي أحياناً "الحربي داخل الأجواء، الحربي داخل الأجواء" لكن ذلك لا يحدث أي تأثير في مجرى الأحاديث أو الجلسات.
أسامة الشامي وهو صحفي كان يقيم في قرية عابدين التابعة لمنطقة خان شيخون ونزح بعد تعرض منزله للقصف. تحدث لعين المدينة بروح عالية عن "جحافل من القوات المقاتلة التي مرت من ضيعتنا متجهة إلى مناطق التماس مع قوات النظام" يختم الشامي "عند النظام جيش وطيران، وعندو دول وراه، ونحنا عنا مبدأ.. مالنا خايفين