- Home
- مقالات
- رادار المدينة
رغم الأمطار الأخيرة.. خروج المحاصيل البعلية في الحسكة من الإنتاج
استبشر أهالي محافظة الحسكة خيراً ببداية فصل الشتاء التي كانت أمطاره مبشرة بموسم زراعي جيد، إلا أن انقطاع الأمطار لفترات طويلة خلال فصل الشتاء تسبب بجفاف المحاصيل وعدم نضوجها بشكل طبيعي، الأمر الذي منعها من الانتفاع من الأمطار الأخيرة.
يبحث الفلاحون اليوم عن مربي المواشي لتضمين زرع أراضيهم البعلية التي فقدوا الأمل من جني أي محصول منها، مع انسلاخ شهر نيسان الذي لم يشهد أي هطولات مطرية سوى في نهايته.
ويلجأ الفلاحون إلى "الضمان" بإعطاء الأرض لمربي المواشي للرعي فيها مقابل مردود مادي يتفق عليه الطرفان، على أن مردود الضمان قليل لا يسد نفقات الزراعة من البذار والحراثة، إذ تتراوح أسعار تضمين الدونم الواحد للرعي بين 15 ألف ليرة سورية و25 ألف ليرة بأحسن الأحوال في منطقة رأس العين (سعر الدولار 4000 ليرة تقريباً).
يقول علي (50 عاماً) صاحب أرض زراعية في ريف رأس العين، أنه يملك قرابة 500 دونم فيها بئر ماء، إلا أنه وبسبب غلاء المحروقات والبذار والأسمدة لم يزرعها كاملة، بل اضطر إلى زراعة نصفها بعلاً لعدم قدرته على زراعتها مروية. ويضيف بأن تكلفة زراعتها تجاوزت 1700 دولاراً من بذار وفلاحة وأجور عمال، "واليوم هي قش غير قابلة للحصاد".
أما جمعة من ريف مدينة عامودا فيقول لعين المدينة "خسارتي كبيرة جداً، زرعت 1000 دونم قمح بعلاً بالإضافة إلى 300 دونم كمون، فخسارتي هي بحدود 50 مليون ليرة سوري. أنا مضطر إلى تضمينها لمربي مواشي وبأسعار زهيدة لا تغطي نصف خسارتي".
ويتابع جمعة (48 عاماً) أن أسعار الضمان في منطقته بأحسن الأحوال تتراوح بين 20 و30 ألف ليرة سورية بالنسبة إلى أرض القمح، أما قش الكمون فيمكن أن يتطاير كلياً نتيجة هبات الرياح التي تضرب المنطقة بين الحين والآخر.
الأراضي البعل في الحسكة
يصعب تحديد المساحات المزروعة اليوم في الحسكة بسبب خضوعها لثلاث سيطرات مختلفة، فمنطقة رأس العين وريفها الغربي وأجزاء من ريفها الشرقي يخضع لسيطرة "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، وباقي المحافظة يخضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بينما تقتصر سيطرة النظام على المربعات الأمنية في مدينة الحسكة والقامشلي وبعض الأجزاء الجنوبية من ريف الأخيرة.
وبحسب قسم الإحصاء التابع لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة للنظام، وفي المجموعة الإحصائية لعام 2020، بلغ مجموع الأراضي السقي 159870 هكتار في الحسكة، أما البعل فقد بلغ 831150 هكتار أي ما يعادل أكثر من خمسة أضعاف الأراضي السقي، منها 34100 هكتار هي حصة القمح من الزراعة البعلية.
وفي منطقة رأس العين لوحدها، بلغت مساحة الأراضي المزروعة لهذا الموسم 15 ألف هكتار للقمح البعل خرجت بالكامل من الحصاد، حسب إحصائية أجراها مركز الحبوب التابع للحكومة المؤقتة.
ووفق موظف في مركز حبوب رأس العين، فإن الأراضي البعلية في السنين ذات معدلات الأمطار المرتفعة تساهم بــ 75 ٪ من الإنتاج الكلي في المحافظة، ما يعني خروج المحاصيل الزراعية البعلية من الإنتاج، الأمر الذي يسبب نقصاناً حاداً في المحاصيل الاستراتيجية ليس في محافظة الحسكة لوحدها إنما لكامل سوريا.
وبدأ هطول الأمطار لهذا الموسم مع شهر تشرين الثاني وبكميات قليلة، إلا أنها لم تشمل المحافظة كلها، أما في شهر كانون الأول فقد تساقطت الأمطار في عموم مناطق المحافظة وشملت المناطق الشمالية، ما شكل حافزاً للفلاحين في استكمال زراعتهم البعلية.
يقول أبو راغب (44 عاماً مزارع من جنوب الحسكة)، أن تلك الأمطار شجعته على الزراعة، فاستدان ثمن البذار بعد تكفل ابنه المقيم في أوروبا بالمصاريف الباقية لإتمام الزراعة، إلا أنه اليوم يبحث عن كيفية إعادة الدين كون أرضه غير صالحة حتى للضمان.
الهطولات المطرية
استمرت الهطولات على شكل متقطع في مناطق متفرقة من المحافظة حتى نهاية شهر كانون الثاني لعام 2022، وتوقفت بعدها خلال شهر شباط بالكامل. ويقول المهندس الزراعي محمد الحامدي وهو من رأس العين مقيم في تركيا، أن انقطاع الأمطار في شهر شباط يعني عدم حصول التربة على مخزون كافٍ من المياه التي يحتاجها النبات في المرحلة اللاحقة، أدى ذلك إلى تباطؤ عملية نمو النباتات.
عادت الأمطار في بداية شهر آذار والتي استمرت إلى الثلث الأخير من ذات الشهر، وكان معدل الهطول مقبولاً في المناطق الشمالية والجنوبية للمحافظة، ما هيأ الظرف المناسب لاستعادة النبات نموه.
إلا أنه ومع نهاية شهر آذار انتهى موسم الأمطار مع ارتفاع في درجات الحرارة، في الوقت الذي يحتاج فيه النبات إلى المياه، لأن "هذه المرحلة حساسة من الناحية الفيزيولوجية للنبات، إذ يتسارع نموه. ونتيجة لانحباس الأمطار في بداية شهر نيسان وعدم وجود مخزون كافٍ في التربة، بدأ النبات بالتخلص من الأوراق الساقية، وفشلت عملية الإزهار والعقد، ولم تخرج السنبلة المنكوفة في غمدها، وتقزم النبات" ما جعل الأمطار الأخيرة غير مفيدة لأن النبات جف ولم يعد قادراً على امتصاص الماء والاستفادة منه وفق الحامدي، الذي يوضح أن كل ذلك يؤدي إلى صعوبة عملية الحصاد فيما لو استطاعت بعض البذور المتكونة أن تنمو.
ويشير الحامدي إلى أن انقطاع الأمطار يعني خروج وفشل موسم الزراعات البعلية في محافظة الحسكة، باستثناء أجزاء من منطقتي القامشلي والمالكية التي سيكون فيها الإنتاج ضعيفاً بشكل كبير.