- Home
- مقالات
- رادار المدينة
دير الزور «المطعونة».. مدينة لم تعد تكترث لذاتها
"يقولون كانت شحاذة ومغبية مصاري كثير وقتلتها بنتها وجوز بنتها". جريمة قتل أخرى، وقعت في حي "طب الجورة" الفقير، تضاف لسلسلة الجرائم التي صارت من يوميات مدينة دير الزور.
لم تعد جرائم القتل صادمة ومفاجئة كما كانت من قبل، لأن "الناس تعودت وتغيرت نفسياتها كثير" كما يقول ممدوح (اسم وهمي) الموظف الحكومي الذي اضطر مثل موظفين آخرين غيره للعودة إلى المدينة خلال العام الماضي، بعد النزوح إلى دمشق. يفسر ممدوح اللامبالاة التي يقابل بها السكان هذه الحوادث بأن "الناس التهت بحالها وبطلت تهتم بشي".
في الماضي قبل الثورة، كانت جريمة قتل أو حادثة شجار دامية أو فضيحة فساد، قضية تشكل حديثاً رئيسياً لسكان المدينة أياماً وأسابيع عدة، واليوم "لو شفتو واحد يفضي مسدسه براس واحد ما راح أسال منو القاتل ومنو المقتول.. لأنه الناس تغيرت"، يكرر ممدوح تفسيره عن الحياد والأنانية واللامبالاة، الظاهرة التي ترسخت خلال السنوات الماضية في مجتمع كان شديد الانفعال وشديد الفضول إزاء وقائع من هذا القبيل.
الانشغال بالهموم الخاصة، وإهمال المحيط العام، طبع تجذر في سلوك الأغلبية بالرغم من البطالة التي تتيح وقتاً كافياً لتتبع أخبار الآخرين.
عن هذا الفراغ، لم يتغير الكثير بين الماضي واليوم: "أولي كنا قاعدين وما نشتغل شي تقريباً وهسع ما نشتغل وقاعدين"، لكن البال كان خالياً من الهموم الثقيلة، يقول علي (اسم وهمي أيضاً) الذي تدبر أمره وأقنع مديره في الوظيفة بأن يتغاضى عن غيابه ليبقى أكثر أيام الشهر مع أسرته التي ظلت تقيم في دمشق، منذ النزوح عن مدينة دير الزور في العام 2014. وخلال "اليومين ثلاثة" التي يقضيها في دير الزور أول كل شهر، يستقصي عن نوايا المحافظ الكواكبي نحو هذه الشريحة المتهربة من الدوام من الموظفين، إن كان سيصدر تعليمات مشددة جديدة تؤثر في وضعه؛ ويستقصي أيضاً عن التغيرات الداخلية المحتملة في دائرته الحكومية، التي قد تطيح بالاستقرار الهش في حياته المنقسمة بين دير الزور ودمشق. مهما حدث سيبقي أسرته في دمشق "لأن البلد ما عاد تنسكن.. وراحت هذيك الأيام".
المحافظة على هذا الوضع ولأطول مدة ممكنة هي هم رئيسي من هموم الرجل الأربعيني الذي يبدي حنينه إلى تلك الأيام التي يفتقدها اليوم كثيراً. "الصبح أداوم أوقع أو ما أوقع، أقعد شوي أشرب لي كاسة شاي بالشغل، وبعدين أنزل أقعد بقهوة السرايا،.مرات أرجع عالدائرة لما يكونون الشباب عيملين فطور، ومرات ما أرجع". والشباب هنا هم زملاء العمل صباحاً، وأصدقاء المقهى مساء، وإلى جانب شباب آخرين بالطبع.
من بين مجموعة الأصدقاء التي تضم ممدوح وعلي، لم يبق أحد سواهما في مدينة دير الزور؛ بعضهم نازح في مناطق "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، وبعضهم في مناطق المعارضة في الشمال، وبعضهم لاجئون في تركيا أو ألمانيا.
ويحيى كلا الصديقين الباقيين بطريقة مختلفة، إذ يتدبر علي شؤون عيشه بمساعدة أشقائه الذين يعملون في الخليج، فيما يحاول ممدوح أن يتدبر أمره بعمل آخر إلى جانب الوظيفة: سائق سيارة أجرة، عامل في ورشة تنظيف منازل من الركام، بائع أثاث مسروق "تعفيش"، وأخيراً معلم "شوي كبدة وفرافيش" على الرصيف في شارع رئيسي بحي الجورة.
ومن خلال عمله في بسطة الشواء، تعرف على عنصر مهم في ميليشيا "الدفاع الوطني" توسط لدى قائد الميليشيا فراس العراقية، ليتوسط العراقية بدوره لممدوح لدى مديره، ليغض النظر نهائياً عن غيابه. وصحيح أن جميع "عناصر الدفاع الوطني بواقين وحرامية، لكن يلتقى بيناتهم زينين ويحبون مساعدة الناس"، كما في حالة العنصر المهم الذي أمن لممدوح في هذا الشهر أسطوانة غاز وحصة إضافية من المازوت فوق حصة البطاقة الذكية.
"يقولون المرة المقتولة بطب الجورة، كانت تخزن ببيتها حشيش وحبوب، وتشتغل بالمخدرات مع فراس العراقية"