- Home
- مقالات
- رأي
دياسبورا دير الزور الخامسة... نفي صامت إلى ساحة الجريمة
تشهد دير الزور، هذه الأيام، قيامة (الدياسبورا: التهجير والنفي) الخامسة لبعض سكانها النازحين أصلاً في مناطق سيطرة النظام، بتهجيرهم القسري العكسي هذه المرة إلى خرائب كانت فيما مضى مدينتهم العامرة بهم. وككل تهجير جماعي سابق تعرضت له، لا تجد دير الزور مساحة في صورة الحدث المبهرج بالوساطات العابرة للحدود، وبالصفقات التي يقتات عليها معسكر النظام إعلامياً؛ لتغذية رغبة مؤيديه بإحساس القوة، وتضوّرهم إلى رؤية السوري الآخر يدفع ثمن ذعرهم من إشهاره وجوده الحر.
يصر نظام الأسد وداعموه ومشغلوه، في إيران وروسيا، على تصوير سيطرتهم على دير الزور، باعتباره فصل ختام موهوم في الذهن، ووهمي في واقع جغرافيا الموت السورية للحرب على تنظيم داعش، وبداية ما تسوقه جوقة البروباغندا الثلاثية على أنه مرحلة عودة الحياة إلى المدينة والمدن المدمرة، التي لن يستطيع النظام ولا أربابه الروس والإيرانيون إعادة إعمارها ثانية.
ويقيم المنفى الديري الخامس بناءه البشع على نقل أدوات الحصار الذي تشارك به النظام وداعش، وأنتج المنفى الرابع نزوحاً إلى مناطق سيطرة النظام، بعد ثلاثة اجتياحات عسكرية، تتالى عليها طرفا الحصار، وأفرغت المدينة من سكانها. ويجد أهل دير الزور الآن أنفسهم في غرفة تعذيب هائلة، تطال أرزاقهم ووظائفهم ومدارس أطفالهم؛ لجرّهم عنوة الى مدينة لم تبق آلة التدمير الأسدية فيها على مدى سبع سنوات حجراً على حجر. وباستخدام أدوات ابتزاز الحياة التي طالما برع النظام بها خلال عقود حكمه الوحشي، تفرض على المدنيين صفقة إذلال جديدة، لا يملكون فرصة في معارضتها ولا بدائل لها، لاستخدامهم دروعاً بشرية مجدداً في واجهة بروباغندا وهم «الانتصار»، واستعبادهم في ديارهم، وإرغامهم على تطويع أبنائهم في ميليشيات جديدة مزمع تأسيسها، وبعد توقيع صكوك استسلامهم تحت عنوان المصالحة مع النظام؛ الذي نفدت لديه الخزانات البشرية التي تغذي جيشه وميليشياته بما يرسخ السيطرة على المحافظة الشاسعة.
إنها معادلة عبودية صرفة، تكرس منطقاً قامعاً اعتاش عليه النظام في فترات قوته الذاتية قبل الثورة، ويحاول الآن استعادته باستخدام جيوش من إرهابيين جلبتهم إيران من شتى أصقاع الأرض، وتحت غطاء من جحيم القصف الروسي، لينتقم من مدنيين ثاروا عليه وهزموه في دير الزور وغيرها.
وبينما سيتحول ما بقي من جثة دولة الأسد المهزومة منذ 2011 إلى مصدر وحيد للدخل، في ثلاثة أحياء باقية من مدينة لم تعد تملك أي مقومات طبيعية لحياة سكانها؛ فإنّ حشر كل سكان دير الزور العائدين من مستقرات نزوحهم في دمشق وحماة واللاذقية وطرطوس وغيرها، في أحياء الجورة والقصور ثم هرابش، سيخلق أزمات اجتماعية ومعاشية لا يمكن تصورها، وصراعاً يومياً على موارد الحياة، بينما تحوز ميليشيات إيران وأجراؤها السوريين على خلاء واسع؛ لتنشيط ممر تهريب الأسلحة والمخدرات والعقائد الإرغامية بين بقية مواقع هيمنة محور الممانعة المتطرف.
تشخص الدياسبورا الديرية الخامسة، بوصفها اعتناقاً متجدداً لعقيدة الانتقام من المدنيين، باستخدام آثار مروعة لجريمة حرب مديدة ارتكبت بحقهم كأداة تعذيب قائمة ودائمة ضدهم، بداية بتحويلهم إلى أشخاص غير مرغوب بهم في مناطق نزوحهم ونفيهم منها بقطع أرزاقهم، وصولاً إلى إرغامهم على الحياة في مدينتهم المدمرة كعقاب لثورتهم فيها. لكن فقط بعد أن أوشك لصوص ميليشيات «الجيش والقوات الرديفة» على الانتهاء من نهبها فوق الأرض وحتى تحتها، وحيث سيجد المنفيون مجدداً أملاكهم المنهوبة تباع علناً أمامهم.
هي عقيدة اختراع انتصار لم يحدث. الأسد يريد إثبات هوس الحكم الأبدي الموروث وبقاءه باستجلاب نهاية لم تحدث بعد لحرب ماتزال متقدة، وإن كان من مهزوم وساقط فيها فهو الأسد نفسه منذ أن سحقت فكرة نظامه في دوار المدلجي عام 2011. وما يحدث مذاك أن حلفاءه يحرقون البلد دفاعاً عن أشلائه الممزقة.