- Home
- مقالات
- رادار المدينة
حياة السوريين المعطَّلة بين ناري النزوح وترقب الزلزال
بات السوريون يتلقون إشعارات برامج ترصد الزلزال عبر هواتفهم المحمولة بدلاً من مراقبة أسعار الدولار مثلاً، أو رسائل الجمعة المباركة أو الأدعية وملصقات الورود.
وأصبحت أخبار متابعة حركة الأرض هي الشغل الشاغل، لا سيما بعد ما عايشه السوريون من أهوال ليلة الزلزال المرعبة، وما يعيشونه من استمرار للهزات الارتدادية الخفيفة والمتوسطة، مع مواصلة الإعلام لبث التقارير والتحليلات عن احتمالية وقوع زلازل جديدة بالمنطقة.
ويؤكد مختصون تراجع حدة الهزات مشيرين إلى ترجيح استقرار طبقات الأرض، إلا أن آخرين يتحدثون عن زلازل مدمرة ربما ستضرب المنطقة مجدداً، وبينما يتبادل خبراء الجيولوجيا الاتهامات عن دخول الشعوذة في تنبؤات الزلازل، وعن صحة اختبار نظرية جديدة تفسر ما يحصل للأرض، يقاسي السوريون آلامهم ويعيشون محطة نزوح جديدة تضاف لسنواتهم المريرة.
في ولاية هاتاي التركية بات أبو أيمن (34 عاماً) يعيش مع زوجته وأطفاله في خيمة شيدها بجانب بيته الذي تعرض لبعض التصدعات جراء الزلزال، وقد لجأ إلى تركيا منذ العام 2013. يقول إنه يخشى أن تطول إقامته في هذه الخيمة، وأن تصبح سكنهم بشكل دائم.
ويوضح أنه اضطر إلى التوقف عن العمل منذ قرابة الشهر، وهو أمر كارثي لعامل مياومة ينتظره دفع إيجار البيت مع نهاية الشهر؛ "يطالبني صاحب البيت بإخلائه في حال تأخرت عن الدفع، ومن الصعب الآن إيجاد بيت" يقول أبو أيمن الذي يتمنى العودة إلى سوريا لا سيما بعد قرار السماح بالإجازات، إلا أن هذه الرحلة بحاجة إلى مصاريف كبيرة، ويضيف متحسراً "وفي سوريا سنعيش بالخيمة أيضاً، فقد تصدع منزلي من القصف سابقاً ومن الزلزال الأخير".
ويعيش أكثر من 1.7 مليون لاجئ سوري في المحافظات الـ10 التركية الجنوبية التي ضربها الزلزال، وفق الإحصائيات الرسمية التركية، على حين وصل عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا إلى أكثر من 53 ألف نسمة، مع تواصل توافد السوريين عبر المعابر الحدودية، وتعتبر نسبة كبيرة من الواصلين بحاجة إلى تأمين المأوى والمساعدات الإنسانية بعد فقدانهم ممتلكاتهم في تركيا، وفق فريق "منسقو استجابة سوريا".
وفي بلدة سرمين شرقي إدلب لم يحرك أبو خالد (42 عاماً) سيارته من نوع "بيك آب" من أمام باب المنزل منذ ليلة وقوع الزلزال في 6 شباط الماضي، وقد جهزها بأغطية بلاستكية ووسائد ومخدات للنوم.
يقول أبو خالد أنه ينام مع عائلته في السيارة خشية حدوث زلزال جديد في الليل، ويتابع "طالما نحن بالسيارة نشعر بالأمان، ففي المنزل نشعر باهتزاز بشكل متواصل ولا نستطيع أن نغمض أعيننا".
وعلى مقربة من منزل أبو خالد تنتشر عشرات الخيام التي شيدت إلى جانب المنازل، حيث تعطي الأسقف القماشية الطمأنينة للأهالي، بينما تشكل الأسقف الإسمنتية باهتزازها هاجساً من الرعب والخوف من الانحشار تحت ركامها.
لا يدري أبو خالد كما جيرانه المدة التي سيقضونها في هذه الخيام، إنما ينشغلون في تتبع حركة الأرض ومراقبة الهزات، والتبسم والشعور بالغبطة بعد كل إشعار حدوث هزة قوية لم يشعروا بها وهم يجلسون في خيامهم.
تتكفل الفرق التطوعية بتأمين بعض هذه الخيام لعشرات الأهالي في مناطق شمال سوريا ممن تركوا بيوتهم إلى العراء أو الحدائق العامة والأماكن المفتوحة، بينما يحصل الجزء الأكبر منهم على الخيام عبر دفع ثمنها والذي بات يتراوح بين 150 إلى 350 دولار أمريكي.
ويقول لؤي قدحنون العامل مع مجموعة تطوعت لإغاثة منكوبي الزلزال عبر حملة عون وسند، أن الفريق عمل ضمن قدرات متواضعة شملت جمع التبرعات العينية والنقدية من فاعلي الخير، وساهم بتأمين سلل إغاثية ومساعدات طارئة كالأغطية والوسائد والخيام. ويضيف: "حرفياً كان يلزم لكل عائلة خيمة، فمن لم يتضرر منزله بالزلزال سيطر الرعب على قلبه".
وبحسب قدحنون فإن الفرق التطوعية ساهمت بشكل كبير في مساعدة متضرري الزلزال ضمن إمكانيات متواضعة لم تكن قادرة على سد الحاجة، لا سيما الخيام التي كان يحب شراؤها. ويشير محدثنا إلى أن المنظمات المرخصة والجهات المسؤولة عن ملفات الإغاثة بالمنطقة، قد عانت من فوضى كبيرة وعملت بغير تنظيم، وهو ما أسهم في تراجع العملية الإغاثية وترك مئات العوائل بلا مآوى. ويقول: "صحيح أن حجم المساعدات التي قدمت لمناطقتنا لم تكن كافية، إلا أنها كانت كفيلة بتأمين خيمة لكل عائلة لو جرى تنظيمها ومراقبتها".
في حين تمر الأيام على السوريين في المناطق التي ضربها الزلزال بطيئة وقاسية مع ليالي البرد التي يعيشونها في العراء، وتبدو وكأن الحياة تسير وهي معطلة لا تشمل جميع مناحيها، رغم أن المؤسسات الرسمية في إدلب لم يطرأ تغير على دوامها، وبقيت تعمل بنفس الآلية، إلا أن وتيرة العمل تراجعت بسبب غياب بعض الموظفين ممن تعرضوا للضرر جراء الزلزال.
بينما أعلنت المجمعات التربوية والجامعات عن استئناف الدوام بعد تمديد العطلة النصفية لمرات عدة بسبب تضرر عشرات المدارس، وفقدان بعض الكوادر التعليمية، وحالة الخوف التي تسبب بها الزلزال. لكن الدوام لم ينطلق بشكل فعلي وفق ما يؤكد المدرس عبد الله في إحدى مدارس مدينة إدلب، ويقول "أعداد الغائبين كبيرة، كما أن الطلاب الحاضرين يشكون من توتر مستمر وتبدو علامات القلق واضحة عليهم". ويستطرد "باختصار الأوضاع غير مواتية لإلقاء الدروس، ونكتفي بساعات دوام قليلة لتسجيل الحضور فقط".
وكانت وزارة التربية في "حكومة الإنقاذ" أعلنت أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال بمناطق إدلب قد وصل إلى 250 مدرسة، وتفاوتت نسبة الضرر حيث تهدمت 203 مدرسة بشكل جزئي، و46 مدرسة تعاني من تشققات بسيطة، مع وجود مدرسة مهدمة بالكامل، كما لم تقتصر الأضرار على الماديات فقط، إذ إن هناك 39 مدرساً وإدارياً، و421 طالباً وطالبة فارقوا الحياة جراء الزلزال.
وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا" فإن عدد النازحين في مراكز الإيواء شمال غربي سوريا بلغ 63,738 نازح، ضمن 236 مركز منتشر في المنطقة.
ووفق آخر إحصائية نشرت في بيان عبر معرفات الفريق الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد بلغ عدد الأسر المتضررة المسجلة 211,763 عائلة، بعدد أفراد 1,164,805 نسمة، وبلغ عدد النازحين المتضررين من الزلزال 41,783 عائلة، بعدد أفراد 229,747 نسمة، ويشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة 64 بالمئة منهم.
وسجل عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال بشكل فوري 1,812، على حين بلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 3,817 مبنى، وهي المباني التي تعرضت لأضرار جسيمة، أو بحاجة لهدمها بشكل عاجل. بينما بلغ عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 11,733، أما عدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة فقد بلغ 17,927 مبنى.
سرمين شرقي إدلب - بعدسة الكاتب