- Home
- مقالات
- رادار المدينة
حكايا.. ثلاثة أيتام وثلاث أمهات من ادلب
الظروف القاسية التي مر بها الشاب أحمد، والنشوء بين براثن الفقر والحاجة، جعلته عدوانياً ومتعطشاً للثأر، فاختار أن يسلك طريق المشاركة في الحرب من خلال الانتساب إلى إحدى الفصائل المقاتلة بهدف الثأر لوالده الذي قضى في سجون النظام من جهة، وكسب المال اللازم للإنفاق على أمه وإخوته الذين يعيشون بدورهم ظروفاً اقتصادية صعبة من جهة أخرى.
خلفت الحرب التي تدور رحاها في سوريا الدمار والكوارث وآلاف الأيتام الذين يعيش معظمهم ظروفاً صعبة، حيث يتركهم المجتمع وحيدين يواجهون معاناتهم الكبيرة، على أعمارهم وتجربتهم الغضة في الحياة، فينتظرون مستقبلاً مجهولاً ومعاناة لا تنتهي من حرب لها أكثر من سبعة أعوام، لم يعايش أطفال سوريا أهوالها فحسب، بل غاب عنهم شعورهم بالطفولة، وحرموا من معظم حقوقهم، بسبب المعاملة السيئة وسوء التغذية وغياب الرعاية الصحية.
أحمد (17عاماً) من معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، اعتقل والده عام 2012 أثناء سفره إلى مدينة حلب لجلب البضائع اللازمة لعمله كبائع متجول، وبعد سنة عرفت عائلته من شخص خرج من السجن ذاته، بأن الوالد قضى تحت التعذيب في سجون النظام. "بما أنني الابن الأكبر في الأسرة، اضطررت لترك المدرسة، لأساعد أمي في الإنفاق"، يشرح أحمد عن الظروف التي دفعت به إلى خوض تجربة كبير العائلة، ويتابع "فكنت أذهب معها إلى العمل في الزراعة، من حصاد وقطاف وغيرها، لتأمين قوت يمكننا من البقاء على قيد الحياة."
يؤكد أحمد بأنه كان يكبر ويكبر معه حب الثأر لوالده، وعندما بلغ الخمس عشرة انتسب لإحدى الفصائل، وتلقى تدريباً على حمل السلاح. أما أمه، التي فقدت السند والمعيل قبل أن تبلغ الخامسة والعشرين، فتتحدث عن معاناتها قائلة: "أصبحت فجأة أرملة ومسؤولة عن أربعة أبناء، دون أي دخل أنفق منه عليهم، في ظل أوضاع صعبة يسودها انعدام الأمن والاستقرار".
يضاف إلى ذلك عادات وتقاليد بالية تتحكم بالأرملة وتراقب تحركاتها، كما تقول أم أحمد، "لكنني لم أستسلم لليأس، واتجهت نحو العمل الزراعي بأجر يومي بالكاد يكفينا لتأمين لقمة العيش مع بعض المساعدات الإغاثية التي تصلنا شهرياً". وتضيف: "كلما كبر ابني يزداد خوفي عليه أكثر فأكثر، بسبب تهوره وإصراره على التطوع في صفوف الجيش الحر" وعلى رغم حاجة العائلة الماسة لما يحصل عليه الشاب من مال جراء عمله، إلا أن الأم تطلب منه باستمرار أن يتركه خوفاً عليه من التعرض لمكروه.
أما هيثم (18عاماً) من معرة النعمان فكان أكثر حظاً، حين تمكن من متابعة دراسته ونيل شهادة التعليم الثانوي، ويعدّ نفسه اليوم لدخول جامعة إدلب، وعن ذلك يقول لعين المدينة: "لو بقيت أعمل طوال حياتي من أجل أمي، فلن أكون قادراً على تعويض لحظة واحدة من لحظات التعب والشقاء التي عاشتها من أجل وصولي إلى هذه المرحلة التعليمية، فقد أفنت أيامها لأجلنا، وحتى لا نمدّ يد العوز والحاجة لأحد مهما كانت قرابته"
أم هيثم (33عاماً) تتحدث عن رحلة الترمل والشقاء بقولها: "قضى زوجي عام 2013 تاركاً لي طفلين، وهما هيثم 13 عاماً، وهدى 10 سنوات، فحملت لقب أرملة وحملت معه أعباء المعيشة، وكان يصعب علي أن أنتظر المساعدة والشفقة ممن حولي، فقررت الاستقلال مادياً ومعنوياً من خلال تعلم مهنة الخياطة من جارتي، التي أبدت استعداداً لتعليمي بهدف العمل وتوفير متطلبات طفلي، ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت العمل، واكتسبت ثقة من حولي بإتقان المهنة والبراعة فيها".
تدرك أم هيثم فرادة تجربتها في محيط محافظ، وعن ذلك تقول: "نظراً لصغر سني، تحملت الكثير من المشاكل والإهانات من أهلي وأقاربي بسبب رفضي الزواج، لكنني صمدت وأصررت على تربية طفليّ، وقهرت الواقع الصعب والظروف في سبيل ذلك".
أما عبد القادر (15عاماً) من مدينة إدلب، بوجهه المتسخ الذي يكاد يخفي ملامحه، فيسابق ساعات الفجر الأولى للوصول إلى أكوام القمامة صباحاً، ليتحول إلى غسيل السيارات مساء، للإنفاق على إخوته، وذلك بعد وفاة والده وزواج أمه من رجل آخر، وعن ذلك يقول: "بعد زواج أمي بدأ زوجها يسيء معاملتي، ومعاملة أخي وليد وأختي عائشة، لذلك هربنا من منزله واتجهنا للسكن مع جدتي المسنة، ومنذ ذلك اليوم تركت المدرسة، وتوجهت نحو العمل في مكب النفايات للبحث عن كل ما يمكن بيعه من فوارغ بلاستيكية ومعدنية، ليشكل عائدها مصدر رزق لي ولأخوتي".
يؤكد عبد القادر بأن العمل شاق، ويعاني بسببه من ألم في ظهره، ورغم الخطورة وانتشار الأوبئة في المكبات إلا أنها أصبحت مضمار سباق بينه وبين أقرانه لكسب قوت يومهم.
لم يكن من السهل على أمه فاطمة أمه (31عاماً) أن تختار الزواج الثاني، بعد تعرضها لظروف قاسية، أهونها الفقر وقلة الدخل وأصعبها تحكم البعض بحياتها، لذلك لم يعد لديها خيار آخر، على حد وصفها. تقول فاطمة: "استشهد زوجي في كانون الثاني 2012 إثر تعرضه لإصابة حربية، اسودت الدنيا في عيني، خاصة أنه لم يترك لي ولأبنائي مصدر رزق، أو منزل نعيش فيه على الأقل، الأمر الذي جعلني مشردة بين بيت أهلي وأهل زوجي على مدى سنتين، ورغم مضايقة الطرفين لي ولأولادي الثلاثة آثرت التحمل والصبر، كما حاولت مراراً البحث عن عمل دون جدوى، باعتباري لا أحمل شهادة تؤهلني لدخول سوق العمل، إضافة إلى رفض أهلي لخروجي المتكرر من المنزل وأنا ما زلت شابة؛ فاضطررت للموافقة على الزواج من أول عريس، رغم أنه يكبرني بعشرين عاماً، وقبلت أن أكون الزوجة الثانية لأضع حداً لمعاناتنا وتشردنا، بعد أن قبل أن يتكفل بالأولاد"