- Home
- مقالات
- رادار المدينة
حزب «الاتحاد السرياني» الأداة الطيعة بيد (PYD)
يشكل حزب "الاتحاد السرياني"، في سوريا اليوم، ذراعاً لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) داخل المجتمع السرياني الآشوري في محافظة الحسكة. هذا الارتباط العضوي بين الجانبين في الحالة السورية، امتداد لارتباط سابق يعود إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما كلف عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني (pkk) أحد أعضاء حزبه من سريان تركيا بتأسيس حزب سرياني على صورة (pkk) وتابع له.
تقول روايات: إن اجتماعاً عقده عبد الله أوجلان مع قادة في "المنظمة الآثورية الديمقراطية" طالبوه بوقف اعتداءات عناصر من حزبه على أديرة سريانية في منطقة (طور عابدين) جنوب شرق تركيا- كان له الأثر الأكبر في إثارة اهتمام أوجلان بالمجتمعات السريانية، وتعزيز الفكرة لديه بتأسيس حزب سرياني، يكون شريكاً للعمال الكردستاني في نشاطاته العسكرية والأمنية والثقافية ضد الدولة التركية آنذاك.
وقع اختيار أوجلان على (نعمان أمزيزجي)، وهو سرياني تركي وقيادي في منظومة حزب العمال الكردستاني، ليكلفه بتأسيس حزب سرياني، فأنشأ "أمزيزجي" حزباً في تركيا أسماه "حرية بيت نهرين"، ثم لم يلبث أن أنشأ فروعاً لهذا الحزب في أوساط السريان المهاجرين إلى دول أوروبا الغربية؛ فشكل الحزب منصة دعائية وتعبوية لصالح (PKK) داخل المجتمعات السريانية في تركيا، وسوريا والعراق وإيران فضلاً عن الدول الغربية، وعمل على تجنيد شبان سريان شارك بعضهم بعمليات عسكرية في جنوب تركيا، بعد تلقيهم تدريبات في مخيمات العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق.
منتصف التسعينات، ولتعزيز حضور (pkk) في الوسط السرياني، أسس أمزيزجي "المجلس القومي لبيت نهرين" ليكون مظلة لجميع الأحزاب والمؤسسات والمنظمات السريانية الموالية ل(pkk)، والتي تأسست بمعظمها عبر هذا المجلس. وفي السنوات الأولى من تأسيسه، تركز نشاط "المجلس القومي" في أوساط السريان المهاجرين إلى دول أوروبا الغربية، قبل أن تمتد أذرعه -وبتسميات وأنشطة مختلفة- إلى دول المنطقة؛ ففي العام 2005 ظهر حزب "الاتحاد السرياني" في أوروبا، وفي عام (2008) ظهر حزب بالاسم ذاته في لبنان، وبعد أشهر من اندلاع الثورة في العام 2011 ظهرت أولى البيانات والمنشورات العلنية لهذا الحزب في محافظة الحسكة.
يقول أعضاء هذا الحزب، إن تاريخ تأسيسه الحقيقي يعود إلى العام 2005، وهو العام الذي شهد تأسيس "الجمعية الثقافية السريانية" في مدينة القامشلي على يد شخصيات سريانية موالية ل(pkk)، كان منهم سعيد ملكي الذي ترأس الجمعية، وهو سرياني تركي حاز على الجنسية السورية قبل وقت قصير من تأسيس الجمعية، وايشوع كورية الطبيب البيطري من مدينة القامشلي، وميرزا حنا وهو حرفي يعمل في مجال الديكور.
سيلعب مسؤولو الجمعية الثلاثة، إضافة إلى اليزابيت كورية الناشطة المهمة في الجمعية، أدواراً مهمة في خدمة حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) بعد اندلاع الثورة، إذ كان سعيد ملكي القائد الفعلي لحزب الاتحاد السرياني بعد ظهوره إلى العلن، وقبل أن يعتقل من قبل مخابرات النظام في شهر آب من العام 2013 وحتى اليوم. سيخلفه ايشوع كورية في رئاسة الحزب، وتنقلت اليزابيت كورية بين مناصب عدة في مجالس وتشكيلات "الإدارة الذاتية"، لتعين مؤخراً كنائبة لرئيس ما سمي ب"المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"؛ فيما عيّن ميرزا حنا مديراً لإذاعة (arta-fm) الموالية ل(pyd)، بالرغم من افتقاره لأي كفاءة أو خبرات في المجال الإعلامي.
في تاريخ "الاتحاد السرياني" في سوريا، كان لافتاً العلاقة المميزة التي جمعت قادته بمسؤولي النظام، منذ تأسيس "الجمعية الثقافية السريانية" في العام 2005، فأظهرت الجمعية حينذاك ولائها المتشدد لنظام بشار الأسد، بالرغم من وقوف شقيقها حزب "الاتحاد السرياني" في لبنان إلى جانب فريق (14 آذار) المناهض للنظام.
يتذكر عضو سابق في "الجمعية الثقافية السريانية"، طلب إغفال اسمه، العلاقات المتينة بين مسؤولي الجمعية/ الحزب، وقادة أجهزة المخابرات في مدينة القامشلي، وتسهيلات الأجهزة التي حظيت بها لإقامة أنشطة الجمعية المختلفة. ويشير العضو السابق إلى تواطؤ ما من جانب قادة "الاتحاد السرياني" في قضية قائد الحزب المعتقل سعيد ملكي، وتقاعسهم عن الضغط على النظام، وهم القادرين على ذلك عبر شراكتهم ل(pyd)، مكتفين فقط بطلب التريث، رغم مرور (5) سنوات على اعتقاله، وبتكذيب الروايات التي تؤكد وفاة ملكي في سجون الأسد تحت التعذيب.
انضم حزب الاتحاد السرياني إلى "هيئة التنسيق" المعارضة، قبل أن ينسحب منها ليساهم بتأسيس "المجلس السرياني الوطني السوري"، إلى جانب شخصيات وقوى سريانية أخرى في إسطنبول في شهر أيلول 2012، وأعلن المجلس الوليد، وعلى لسان رئيسه سعيد إسحق عضو المجلس الوطني المعارض، موقفه المناهض للنظام وتأييده للثورة. وحالت علاقة بعض مكونات المجلس -أو حزب الاتحاد السرياني على وجه الخصوص- ب(pyd) دون انضمامه إلى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية وقت تأسيسه.
شكل حزب "الاتحاد السرياني" حليفاً أو تابعاً رئيسياً ل(pyd) في المجتمع المسيحي في محافظة الحسكة، وشارك في جميع البنى والأجسام التي أسسها (pyd)، وشغل قادة "الاتحاد السرياني" مناصب قيادية في هذه البنى والأجسام، حيث يشغل ايشوع كورية منصب الرئيس المشترك ل"مجلس سوريا الديمقراطية"، ويشغل أفرام إبراهيم منصب نائب "حاكم مقاطعة الجزيرة"، وتشغل نظيرة كورية منصب الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للمقاطعة.
وفي المجال العسكري شكل الحزب قوات "السوتورو" (الحماية باللغة العربية)، وكذلك المجلس العسكري السرياني، وضم التشكيلان نحو (200) من الشبان السريان، يعتمدون كلياً على "وحدات حماية الشعب" الكردية (ypg) في التسليح والتدريب والتمويل، ولا يمكن اعتبارهم فصيل عسكري مستقل -ولو بالحدود الدنيا- عن هذه الوحدات.
يفتقر حزب "الاتحاد السرياني" في سوريا اليوم للقاعدة والحاضنة الشعبية بين السريان، لأسباب عدة أهمها أن غالبية السريان لا ترى فيه إلا تابعاً لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) وواجهة مسيحية له، لا تملك القرار ضمن هيكليات "الإدارة الذاتية"، ولا تلبي تطلعاتهم السياسية والثقافية في أماكن انتشارهم داخل البلاد أو في دول المهجر المختلفة. وترسخ الطاعة التي يبديها الاتحاد بقبوله لجميع القرارات التي يصدرها (pyd) من رفض أغلبية السريان لهذا الحزب، حيث يعد أداة لتكريس هيمنة (pyd) على المجتمع السرياني، وخطراً يهدد ما تبقى من وجود سرياني في الجزيرة السورية.
حيث وافق الاتحاد السرياني على قانون إدارة أملاك المهاجرين، بل وكان أداة تنفيذ للقانون الذي يتيح ل"الإدارة الذاتية" التصرف بأملاك المهاجرين الذين يشكل السريان نسبة كبيرة منهم، وكذلك الحال مع قانون التجنيد الإجباري المسمى ب"واجب الدفاع الذاتي"، الذي تسبب بهجرة آلاف الشبان السريان إلى أوروبا ودول الجوار؛ وأيضاً القانون الخاص بفرض المناهج التعليمية الخاصة بالإدارة الذاتية على المدارس السريانية، ما يعني تحويل هذه المدارس إلى مجرد مكاتب تثقيف وتعبئة إيديولوجية لصالح (pyd)، ويخرجها عن السياق الطبيعي للعملية التعليمية، كما يسلب القرار السريان آخر ما بقي لديهم من هوامش استقلال نسبية، الأمر الذي تسبب بانتفاضة شعبية ضد هذا الحزب، استعادت المدارس التي سيطر عليها مسلحوه "السوتورو" الذين اتهموا بالوقوف وراء اعتداءات طالت شخصيات ثقافية سريانية، مثل رئيس "لجنة نصيبين للكتاب السريان" عيسى رشيد، واعتقال الناشط السياسي سليمان اليوسف.
لا يبدو أن اتساع الجبهة الرافضة لحزب "الاتحاد السرياني" في سوريا، وتجذرها في المجتمع السرياني، ستدفع الحزب إلى مراجعة حساباته، وتغيير نهجه التابع بالمطلق ل(pyd)، أو لجذره الأم حزب العمال الكردستاني، لأنه اعتمد كلياً وخلال مراحل نشأته وتطوره المختلفة على هذا الحزب، وتأسس على رؤى وإيديولوجيا زعيمه، وأي محاولة مفترضة من بعض قادته لتغيير سياساته ستودي بهم إلى الهلاك، أو ستودي بحزبهم كله.