- Home
- مقالات
- رأي
حرب الأسد المشلول ومحاذير الضامنين
تهدف العملية العسكرية الروسية الأسدية الحالية، التي بدأت في 6 أيار، مبدئياً إلى احتلال مدينة خان شيخون الاستراتيجية واستشفاف ردة فعل المقاتلين في إدلب؛ ومن ثم ستبدأ "المعركة الحاسمة"، في نهاية شهر رمضان، من أجل السيطرة على شمال حماه والقسم الأكبر من محافظة إدلب، بغية تأمين الطرق الرئيسة الواصلة بين حلب واللاذقية وحماة، والتي تعد بمثابة شرايين الحياة الأساسية للأسد، بعد تطبيق قانون قيصر على نظامه الإجرامي.
في محادثات أستانا (أيلول 2017)، وافقت روسيا وإيران وتركيا على إنشاء منطقة لخفض التصعيد في إدلب، تكون تحت إشراف هذه الأخيرة. وبعد عام تقريباً (أيلول 2018) وقّع رئيسا روسيا وتركيا، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، مذكرة تفاهم حول استقرار الوضع في إدلب. كانت إحدى أهم نقاطها استعادة العمل بالطريقين الرئيسيين السريعين: M 4 (حلب - اللاذقية)، وM 5 (حلب - حماة)، وبوصل مدن درعا وحلب واللاذقية، إضافة إلى العاصمة دمشق، فإن الأسد سيحصل على مثلث يضم تقريباً كل الموارد البشرية والإنتاجية الرئيسية في مناطقه، والذي عرف سابقاً بـ "سوريا الصغرى".
يربط الطريق الدولي السريع M 5 حلب ودمشق بالحدود البرية المباشرة للأردن؛ ويربط الطريق M 4 حلب باللاذقية.. يعبر الطريقان أراضي محافظة إدلب، فالأول يمر من خان شيخون ومعرة النعمان، والثاني يمر من جسر الشغور وأريحا، ثم يلتقيان عند سراقب، وصولاً بعد ذلك إلى حلب، وهما مقطوعان من قبل الثوار منذ عام 2012، مما أثر سلباً على أشياء كثيرة، فبدلاً من أن يستغرق -مثلاً- الطريق من حلب إلى اللاذقية أربع ساعات ونصف، سيستغرق ساعة في حال سيطرة الأسد عليه وفتحه.
منذ البداية صرّحت "هيئة تحرير الشام (هتش)" ـالتي عززت مكانتها وهيمنتها الواضحة وشبه المطلقة على المنطقة الممتدة من غرب حلب حتى شمال حماه مروراً بإدلب، بعد القضاء على آخر فصيل منافس لها "حركة نور الدين الزنكي" في بداية العام الجاري- أنها لن توافق على شروط اتفاقات سوتشي، لاسيما فتح "طريقي الحياة" المذكورين سابقاً.
لم تستطع تركيا إقناع هتش رغم محاولتها أكثر من مرة، وبالتالي أحرجت تبعاً لذلك، ووضعت في موقف صعب أمام شريكتها روسيا، وتعرضت لضغوطات كثيرة لم تدفعها إلى الاصطدام المباشر مع هتش، على الرغم من أن المجالس المدنية التي فرضتها هناك خلال العام الفائت، وتم تصورها كمراكز ستتشكل حولها أجندة تصالحية جديدة، جرفها الهتشيون في أسبوع واحد!
حاولت أنقرة المناورة منذ أن تم تفعيل موضوع الهجوم المحتمل على إدلب، لكن الأمر لم يكن سهلاً على الضامن التركي، الذي يدرك أن الهدف النهائي من الهجمات هو الاستيلاء على كامل إدلب، التي تحتل مكاناً جغرافياً واقتصادياً مهماً بالنسبة لنظام الأسد، كونها مركزاً زراعياً رئيسياً، وحلقة وصل بين شمال البلاد وغربها، وشريان نقل يربط الساحل بالمحافظات الشمالية والشمالية الشرقية.
لن تتوقف العملية العسكرية الحالية بعد السيطرة على خان شيخون؛ لأن الاستراتيجية العسكرية الاحتلالية المشتركة (الأسدية والروسية والإيرانية) المتبعة تكمن دائماً في السيطرة على المناطق بالتدريج، وقضمها لقمة بعد لقمة، حتى تصل إلى مبتغاها النهائي.. لكن المخاطرة الكبيرة التي تحملها الاستراتيجية ستكون نتائجها كارثية على تركيا من جميع النواحي: الإنسانية والاقتصادية والأمنية... وهذا ما جعل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يقول خلال تفقده لوحداته العسكرية المنتشرة على الشريط الحدودي في هاتاي إنه "يجب على الجيش السوري وقف العمليات العسكرية في شمالي حماة وإدلب، لأنه يعد انتهاكاً خطيراً للاتفاقيات التي تم التوصل إليها في عملية أستانا". وأضاف "نظام الأسد يحاول توسيع منطقة سيطرته في جنوب إدلب في انتهاك لاتفاق أستانا".
بعد ذلك تحركت الفصائل المحسوبة على تركيا إلى إدلب للمشاركة إلى جانب إخوتهم في المعارك الدائرة رحاها هناك، الأمر الذي ترك نتائج إيجابية قريبة، ساعدت على إضعاف وتيرة الهجوم إلى حد ما، وتكبيد المعتدين خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.. لكن تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن "العملية الحالية لا تنتهك الاتفاق المبرم مع تركيا، والذي لا توجد فيه كلمة واحدة عن أهمية حماية الإرهابيين"، جعل الأمور تتوتر، ليتدخل أردوغان ويجري حديثاً هاتفياً مع بوتين، تبعه حديث مماثل بين وزيري دفاع البلدين.
لا توجد حتى الآن بوادر لوقف الهجوم التدميري بالطرق الدبلوماسية، ويبدو أن الأمور ستتطور نحو الأسوأ؛ لاسيما وأن نظام الأسد المشلول تماماً أصبح مكلفاً جداً بالنسبة إلى روسيا، لذلك فهي تحاول اليوم دعمه ومساندته بشتى السبل من أجل إيجاد مخرج اقتصادي له، يستطيع من خلاله التخفيف من وطأة أزماته المستفحلة، لأن السيطرة الميدانية على مدينة خان شيخون ستسمح له باستعادة العقدة المرورية الأولى، والانتقال بعد ذلك إلى تأمين باقي الطريق، مما يعني انتقال السلع والمنتجات والبضائع بشكل سريع وآمن وبتكلفة أقل بين مناطق سيطرته.