- Home
- مقالات
- رأي
جبهة النصرة قبل الارتباط وبعده
منذ ولادتها أواخر العام 2011، ثم بما مرّت به من منعطفاتٍ وتحوّلاتٍ مختلفة، وحتى إعلان فكّ ارتباطها بالقاعدة قبل أيام، كانت جبهة النصرة الفرع الأقلّ «قاعديةً» بين الفروع الأخرى. وجاء فك الارتباط ليقطع حبالاً لم تكن متصلةً كما ينبغي بالتنظيم الأم.
قبل شهرٍ تقريباً، حُسمت النقاشات في أوساط الحلقة العليا داخل جبهة النصرة، لصالح التيار الأكثريّ فيها الداعي إلى فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة. ونجح الشرعيون والدعاة بعد ذلك في تهيئة الرأي العام الداخليّ لقبول هذا الانفكاك، بل والقناعة الكاملة بصوابه.
في تحوّلٍ كبيرٍ مثل الانفصال، كان من المفترض أن لا تمرّ هذه العملية بسلامٍ في صفوف النصرة كما حدث حتى الآن. فمن بين أعضاء مجلس الشورى كثيري العدد (50 إلى 60 شخصاً حسب بعض التقديرات) لم يتخذ أيٌّ منهم موقفاً عملياً رافضاً لهذا الانفصال، حسب ما تسرّب على نطاقٍ ضيق، سوى شخصٍ واحدٍ هو أبو أنس الشامي (حمود) أمير حلب السابق، الذي اتهم دعاة الانفكاك بالجبن والتولي والخشية من أميركا، قبل أن ينشقّ عن النصرة وينجح في الوصول إلى الرقة ملتحقاً بتنظيم داعش، برفقة نائبه أبو طلحة الأردنيّ، خلال الأسبوعين الأخيرين، ليتبعهما بُعيد ذلك رئيس الأمنيين السابق في حلب. لم تكن دوافع المنشقين الثلاثة ذات صلةٍ متينةٍ بالولاء للقاعدة، إذ لا يحمل أيٌّ منهم تاريخاً جهادياً ذا أهمية، بل كان الدافع ميلهم نحو داعش فوجدوا في الانفصال ذريعة. وتكشف حادثة الانشقاق هذه جانباً آخر من البيت الداخليّ لجبهة النصرة، هو تراجع التيار المتعاطف مع داعش في صفوفها، بسبب الهزائم المتلاحقة التي مني بها التنظيم. ولا يبدو أن حوادث انشقاق ذات أهميةٍ يمكن أن تقع في صفوف النصرة/فتح الشام ممن تبقى من المتعاطفين فيها مع داعش. كما لا يبدو أيضاً أن انشقاقاتٍ أخرى ستحدث حالياً في صفوف المهاجرين، لأسبابٍ عمليةٍ وأخرى مبدئية، اذ لا يوجد من الإغراءات الحركية ما يجذبهم لدى الفصائل الأخرى، ولا يوجد مبرّرٌ شرعيٌّ يدفع إلى هذا الانشقاق، مع مباركة مرجعياتٍ جهاديةٍ هامةٍ لفك الارتباط، وكذلك حال الأعضاء السوريين بشرائحهم المختلفة. بل يرجّح أن تبتلع جبهة فتح الشام كتائب ومجموعاتٍ صغيرة، ولا سيما في حال حققت إنجازاتٍ عسكريةً لافتة.
جماعة خراسان
مع الضربات الأولى للتحالف الدوليّ في سورية هاجمت طائراتٌ أميركيةٌ موقعاً تابعاً لجبهة النصرة بريف إدلب. وتحدثت التقارير عقب ذلك عن استهداف هذه الطائرات قيادياً هاماً في ما أسمته «حركة خراسان»، التي عدّتها تلك التقارير أشدّ خطورةً وتهديداً لأمن الدول الغربية من داعش! كان المستهدف من تلك الغارات محسن الفضلي، رسول أيمن الظواهري إلى سورية بغاية الاطلاع على «ساحة الجهاد الشامي» وكتابة التقارير إليه بُعيد المفاصلة بين النصرة وداعش، قبل أن يتخذ الظواهري موقفه –الذي تأخر لأشهر- من تلك المفاصلة (حسب تقريرٍ نشرته «عين المدينة» في العدد 34*). وأكد التقرير حينها أن جماعة خراسان ليست «حركة»، بل هي مصطلحٌ أو وصفٌ يطلق على مجموع من مرّوا بأفغانستان كأعضاء في تنظيم القاعدة، ووصلوا إلى صفوف جبهة النصرة في سورية، ليشبهوا فيها «وحدةً معنويةً وفكريةً خاصّة، تعنى بدمج المجاهدين المحليين في روحية القاعدة الأم، وبتقديم الدعم المعنويّ الكامل لزعيم النصرة الشابّ الملقب بـ«الجولانيّ»، بعد حادثة الانقسام الخطيرة التي أربكت صورته بين أتباعه». وسوى هؤلاء الخراسانيين، الذين لم يتجاوز عددهم (40) وفق التقرير المذكور، لم يكن بين مقاتلي جبهة النصرة أعضاء قاعدة نموذجيون.
ووفق ما تبيّن لاحقاً، لم يشكل هؤلاء الخراسانيون خطراً على أمن أيّ دولةٍ أخرى، فضلاً عن تآكلهم العدديّ قتلاً، قصداً وبغير قصد، خلال هجمات الطائرات متعددة الهويات. ويبدو أنهم لم يحققوا من المهمات الموكلة إليهم سوى كتابة الرسائل للظواهري؛ إذ لم يقدروا على صبغ الفرع السوريّ، المستحدث على عجل، بصبغة المركز، ولم ينجحوا في تخفيف بعض الغلواء الفصائلية التي ظهرت من جانب النصرة في مواقف عدّة.
لن يشكل من تبقى من خراسانيين أيّ خطرٍ على العالم، ولن يشكل فرع القاعدة السوريّ السابق خطراً أيضاً، لأنه لم يكن قاعدةً بما يكفي ليتمثل أهداف الجهاد العالميّ طويلة الأجل... لحسن حظ السوريين.