- Home
- مقالات
- رادار المدينة
ثلاث حالات انتحار بيوم واحد في إدلب لم تحرك ساكناً.. وطبيب نفسي: حالة واحدة كثير جداً
تفاجأ المارة بطريق بلدة أبين في ريف حلب الغربي بشخص يطلق النار على نفسه أمام الجميع، وحين وصل الخبر لزوجتيه وأولاده وذهبوا لاستطلاع الأمر، كانت صفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل خبرين عن وفاة امرأتين نتيجة انتحارهما أيضاً، الأولى في مستشفى دركوش جراء سقوطها من الطابق الخامس، والثانية في مستشفى سلقين بعد أن ابتلعت "حبة غاز" قبل يومين من يوم الأحد 6 حزيران.
ومع أن مشكلة الانتحار قديمة وليست جديدة الظهور، إلا أن ثلاثة متوفين بالانتحار في يوم واحد في إدلب وريفها فقط، يعتبر تطوراً مخيفاً يستدعي العديد من التساؤلات واستنفار كل الجهود للحد منها، رغم أن حالة انتحار واحدة تعتبر كثيرة، لكن كثرة الحالات التي جعلت خبر الانتحار اعتيادياً، جعل الأمر يخرج عن كونه حالات معزولة.
تضاربت الأنباء التي تناولت شخصية "ربيع الدبس" الأربعيني من أبين وأسباب انتحاره. محمود (30 عاماً من أبين) قال أنه كان يعاني من "اضطرابات عقلية" وله "تصرفات غريبة" منها أنه ذهب في إحدى المرات باتجاه حاجز لجيش النظام، لكن أحدهم أوقفه وأقنعه بالعودة.
زوجة ربيع الأولى أوضحت بأن حالتهم المادية صعبة، وأن زوجها صار عليه الكثير من الديون التي جعلت الناس يطالبونه بتأديتها دون جدوى، وأضافت قائلة إن "الاضطرابات العقلية لم يعان منها سوى آخر فترة بحياته بسبب كثرة الهموم". أما زوجته الثانية فأكدت في حديث لعين المدينة أن زوجها كان يمضي أغلب الأوقات مهموماً يفكر بكيفية إيفاء ديونه وتأمين مصروف عائلته الكبيرة.
صديقه حسن تكلم عن بعض ظروف بأنه كان شديد الفقر في ما سبق، ولكن تحسنت حالته المادية فجأة بعد أن عمل في تهريب الدخان واشترى من مكاسبه أرضاً زراعية في مدينة معرة مصرين. وتابع حسن "تلقى ربيع عدة مرات تنبيهات تحذره من استخدام ماء الصرف الصحي لسقاية أرضه، حتى فرضت الجهات الحاكمة عليه مخالفات مالية تسببت بالكثير من الألم له (قبل انتحاره)".
الأسباب المادية الظاهرة لحالات انتحار الذكور لم تكن نفسها أسباباً لانتحار الإناث في إدلب وريفها، فمن خلال تقصي أسباب الانتحار المباشرة للحالات الأخيرة، يظهر أنها تتمحور حول الظروف النفسية الناتجة عن التفكك الأسري والاجتماعي والألم النفسي المصاحب لتلك الظروف.
رهام (28 عاماً) المتوفاة في مستشفى سلقين بعد يومين من ابتلاع "حبة غاز"، قالت خالتها نادية لعين المدينة: "ابنة أختي كانت حزينة جداً بسبب زواج زوجها الثاني بالرغم من أن لديها ولدين، لكننا لم نتوقع أنها سوف تقضي على نفسها بهذه الطريقة".
بهاء السويد إعلامي في مستشفى دركوش أفاد بأن رهام تم إسعافها إلى مستشفى دركوش في يوم الجمعة 3 حزيران، لكن لم يكن هناك شاغر في غرفة العناية المشددة فتم تحويلها إلى سلقين وهناك فارقت الحياة. وتحدث الإعلامي عن حالة أخرى توفيت في نفس اليوم في مستشفى دركوش لامرأة تبلغ من العمر 22 عاماً، وأضاف "أشيع أنها انتحرت عبر سقوطها من الطابق الخامس في مدينة دركوش، والظروف الاجتماعية كانت مشابهة للحالة الأولى، فهي متزوجة ومطلقة عدة مرات، ووالدها متزوج أيضاً من امرأة أخرى غير والدتها". لكن والدها نفى انتحارها، وبيّن أن ابنته كانت مصابة بدوار دهليزي جعلها تفقد وعيها بينما كانت تتحدث معه فسقطت من الطابق الخامس وفق السويد.
الشيخ محمد خطيب النازح من كفرنبل إلى دركوش (80 عاماً) أكد على ضرورة زيادة الوعي الديني وتوضيح عقوبة الانتحار في الإسلام، واستطرد قائلاً: "الانتحار لا يقل جرماً عن القتل، لأن الإنسان لا يملك نفسه فهي لله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا يحق له إزهاق روح لا يملكها. قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً)".
بينما رأت الأخصائية الاجتماعية وضحة العثمان أنه "يجب ألا يترك الشخص الذي يفكر بالانتحار أو الذي لديه ميل للانتحار لوحده لفترات طويلة، عندما يلاحظ عليه المقربون ذلك أو يعتزل ويفضل الوحدة"، ونوهت على ضرورة أن يعرف المقربون منه الأسباب الحقيقية التي تجعله يفكر بالانتحار، "فإذا كان رجلاً ويعاني من ظروف مادية صعبة يجب إشراكه في مشاريع جديدة ومساعدته في ذلك، وإن كانت أنثى تتعرض لنوع من أنواع الضغط والتعنيف أو الظلم فيجب مساعدتها قدر المستطاع وتقديم النصح لذويها وإرشادها نفسياً من خلال أخصائي".
في حين أشار الطبيب النفسي جلال نوفل إلى أنه لا يمكن القول بأن الانتحار يفسّر علمياً، لكن من الضروري رده إلى أحد سببين؛ الأول ثقافي يتعلق بالتعامل مع النفس والحياة والموت؛ والثاني نفسي ناجم عن أي مرض نفسي خاصة الاكتئاب، لكن لا يوجد مفهوم بالمعنى الضيق للانتحار إلا في حالة الشخص الذي ينهي حياته في ما يسمى ب"القتل الرحيم" حين يكون يعاني من آلام كبيرة ومهينة للكرامة فيطلب إزالة الأجهزة أو أخذ مادة قاتلة. وأوضح نوفل أن الانتحار يرتبط بشؤون مثل الضائقة المالية أو الكرامة الأنسانية، لذلك ترتفع نسبه في الدول التي تعزز الفردانية ويغيب فيها الدعم النفسي الذي تقدمه الروابط الاجتماعية.
وعن ارتفاع حالات الانتحار في سوريا، قال نوفل أنه لا يوجد وجهة نظر طبيبة بسبب نقص المعلومات، "ولكن يفهم الانتحار عادة لكل حالة على حدة ضمن ثلاثة محاور؛ بيولوجي ونفسي واجتماعي، لأن المسألة فردية تماماً. ربما ازدادت الحالات بسبب مرض نفسي أو جرح في الكرامة أو انهيار دور اجتماعي كان موجوداً، لكن منتحراً واحد كثير one is too much".
ورأى نوفل أن زواج الزوج من أخرى يعتبر من نوع العنف الأسري الشديد، وغالباً ما يكون بتجاهل المرأة وفرض الزواج الثاني عليها، إضافة إلى الظروف الاجتماعية التي تحاصرها في أنه ليس لديها حق الاعتراض، وتابع "تشعر المرأة عندها أنها أهملت ولا قيمة لها، وأنها صارت خارج الحياة الزوجية، وهذا يمكن أن يقودها إلى خارج الحياة كلها، لأن المجتمع والزوج لا يرحمها. هذه المراة لا تستطيع الشكوى حتى، لأن المجتمع يقر للزوج بحقه في الزواج من أربع زوجات".
وتطرق نوفل إلى حاجة المجتمع السوري كله إلى التوعية على مسألة الانتحار، وعلاقته بالاضطرابات النفسية و بالضائقة الاقتصادية أو العنف الأسري. وختم "تلبية الاحتياجات وصون حقوق الإنسان والحماية الصحية والقانونية تساعد من تخفيف الميول الانتحارية دون أن تعني إلغاءها.. لكن في هذه الحالة نصبح في إطار الفرد المنتحر".
يذكر أن "هيئة تحرير الشام" و"حكومة الإنقاذ" لم تعلق حتى الآن على ارتفاع حالات الانتحار في مناطق سيطرتها، ونقل مقربون من شرعيين فيها أن الهيئة ليس لديها أي خطط للتعامل مع الأمر، سوى الرأي الديني الذي يقول بتحريم الانتحار.