- Home
- مقالات
- رادار المدينة
تربية الماشية مشروع ناجح لمعيلة نازحة في إدلب
ارتفع عدد النساء المعيلات في شمال غربي سوريا نتيجة الحرب على المنطقة وضحاياها من الرجال المقاتلين ضد النظام، ما دفع كثيرات إلى الانخراط في سوق العمل، بينما طرق البعض باب المشروعات الخاصة وحققن نتائج جيدة في أعمال جديدة عليهن، وهو ما ينطبق على مروة علوش التي تعلمت منذ سنوات كيف ترعى رأسين من الغنم ورأسين من الماعز استدانت ثمنها، واليوم تملك مشروعها الخاص لتربية الماشية.
مع أولى أنفاس الصباح تستيقظ الثلاثينية مروة العلوش على عجلة من أمرها، تحضر الطعام لأطفالها وترسلهم إلى المدرسة، وتغادر الخيمة متجهة نحو الحظيرة لتطلق عنان خرافها وتنطلق في رحلة رعي يومية يحدد نهايتها مدى امتلاء بطون الغنم بما تيسر من الكلأ. تقول "حين يحين موعد عودة أطفالي من المدرسة أعود من العمل. أنجز واجباتي المنزلية من الطبخ إلى التنظيف وتعليم الأولاد".
لم تكون تتوقع منذ سنوات أن تصبح مربية أغنام، لكن اللامتوقع الذي عاشته مع السنوات الأخيرة لا يتوقف عند حدود عملها الحالي. إذ تركت مروة بلدتها صوران بريف إدلب الجنوبي مع اقتراب جيش النظام من حدودها نهاية العام 2016، وتوجهت رفقة أطفالها الخمسة ونازحين كثر من بلدتها صوب مخيم البردقلي بريف إدلب الشمالي، حيث واجهت ظروفاً غاية في الصعوبة والقسوة في ظل عدم وجود معيل أو مصدر رزق منذ فقدت زوجها المقاتل السابق في الجيش الحر، كما تروي متذكرة. وفي بداية حياتها الجديدة في المخيم لم يكن يصلها سوى مبلغ بسيط يرسله أهل زوجها في أوقات متفرقة، وسلة غذائية شهرية لا تسد الرمق تستلمها من منظمة إغاثية تعمل في المخيم.
لم يكن سوق العمل الضعيف والمزدحم مكاناً مناسباً للبحث عن مصدر رزق بالنسبة إليها، خاصة وأنها لا تمتلك أي شهادات أو خبرات تؤهلها للعمل، ما اضطرها إلى صرف كل مدخراتها وبيع كل ما يمكن بيعه حتى وصلت إلى حد الإفلاس.
وبتشجيع من جيرانها الذين يمتهنون تربية المواشي ويعتاشون منها، قررت تعلم المهنة. وبعد عام من الصبر والإرادة والمراقبة والمحاكاة والاستفسار تمكنت فيه من الإلمام بكيفية حلب الأغنام أو تصنيع الألبان والأجبان أو العناية بالماشية ورعايتها، شعرت بثقتها بنفسها وقدرتها على البدء بمشروع خاص بها.
توضح مروة أنها اضطرت في البداية إلى استدانة 600 دولار من أحد إخوتها، اشترت بها رأسين من الغنم ورأسين من الماعز، ثم حالفها الحظ بعد مدة بالحصول على منحة قدرها 800 دولار من إحدى المنظمات الإغاثية التي تعنى بدعم المشاريع الصغيرة، اشترت بها خمسة رؤوس أخرى من الأغنام تبيع من ألبانها وأجبانها للجوار في المخيم، بينما يذهب الفائض لجارها الذي يعمل بتجارة الحليب ومشتقاته. وبعد مضي قرابة العامين ونصف على مشروعها تكاثرت الأغنام وتضاعف عددها، ما شجعها على بيع بعض المواليد وتسديد ما عليها من ديون.
تصرح مروة بأنها تتعرض خلال رحلة الرعي اليومية للكثير من المواقف الصعبة والمحرجة حين يشتمها أصحاب الأراضي والمزارع ويطردونها في كثير من الأحيان، خاصة وأن "الماعز حيوان سريع الحركة صعب الترويض ويحتاج إلى مساحات واسعة للرعي" كما تشرح، عدا عن خوفها من ارتياد الأراضي والجبال البعيدة عن الأماكن المأهولة خوفاً من التعرض للتحرش من قبل أحد الرعاة، أو التصادف بحيوانات تشكل خطراً على حياتها، لذلك تضطر إلى الاعتماد على الأعلاف بشكل رئيسي في تغذية قطيعها.
ارتفاع سعر العلف، قلة المراعي الطبيعية، قلة الرعاية الصحية الخاصة بالمواشي وصعوبة التنقل، ارتفاع أسعار الأدوية، وفقدان اللقاحات اللازمة كلها صعوبات تعترض هذه المهنة بحسب العلوش.
ويرجع تاجر الأعلاف فراس جلو (٤٨عاماً من مدينة إدلب) سبب ارتفاع أسعار الأعلاف إلى ارتفاع سعر الدولار الذي صاحبه ارتفاع أسعار المحروقات وما لحق الأعلاف من أجور إضافية للنقل، وانعكس تذبذباً في أسعار اللحوم والألبان والأجبان.
ويوضح التاجر أن سعر طن الشعير الذي كان يبلغ 300 دولاراً أصبح 375 دولاراً، فيما ارتفع سعر طن التبن من 150 دولاراً إلى 200 دولار. أما سعر كيلو اللحم القائم اليوم فقد بلغ 33 ليرة تركية، بينما سعر لحم الخروف المشفى فيتراوح بين 70 و80 ليرة، ما يعد انخفاضاً كبيراً في سعر اللحوم قياساً بالدولار.
وكانت قد فرضت وزارة الاقتصاد والموارد في حكومة الإنقاذ العاملة في محافظة إدلب على تجار المواشي في المنطقة التعامل بالليرة التركية منذ عيد الأضحى الماضي بحسب جلو.
وبعيداً عن الصعوبات في ظروف العمل اليومية، تعاني العلوش من تعرضها لنظرات السخرية من قبل بعض صديقاتها وقريباتها اللواتي ينظرن لتربية المواشي نظرة دونية وكأنها مهنة معيبة، لكنها تؤكد أنها تواجه هذه الآراء بعدم الاكتراث، "لا أخجل من مزاولة هذه المهنة التي امتهنها عدد من الأنبياء وصبروا على مشقتها".
سناء الشيخ (٣٩عاماً) مديرة في أحد مراكز تمكين المرأة في مدينة سرمدا تقول بأنه مع الأعداد المتزايدة للنساء المعيلات في إدلب يصبح الدعم المقدم من قبل منظمات المجتمع المدني غير كاف، وتضيف بأن تلك الزيادة "تجعل الحاجة ملحة إلى تأهيل النساء فاقدات المعيل وإعدادهن لسوق العمل عبر دورات مهنية، والعمل على إتاحة فرص العمل لهن، ودعم المشاريع الصغيرة لتخفيف بعض الأعباء والمصاعب عن كاهلهن، وتمكينهن من الاعتماد على الذات اقتصادياً".