- Home
- مقالات
- ترجمة
ترامب وبوتين عضوان في المؤسّسة العالمية الجديدة للطُغم الحاكمة
أليكسي باير
مجلة غلوباليست الأميركية/ 21 كانون الثاني
ترجمة مأمون حلبي
بوتين قليل الاكتراث بروسيا، وكذلك شأن ترامب بخصوص أميركا. إنهما، بوتين وترامب، يهتمان بجعل العالم آمناً بالنسبة إلى الأثرياء المتخمين.
منذ أن ترشّح دونالد ترامب لرئاسة أميركا استطاع كيل السباب لكل شخصٍ تقريباً. لقد أصابت سهام شتائمه المكسيكيين، ووصلت إلى الصينيين، وطالت كثيراً من الأميركيين، من الممثلة ميريل ستريب إلى الجمهوريّ جون لويس. الشخص الوحيد الذي لا يمكن أن يُخطئ، في نظر ترامب، هو بوتين. قد تبدو غريبةً هذه العلاقة الوثيقة بين قطٍّ سمينٍ عمل كتاجر عقاراتٍ وكولونيلٍ سابقٍ في جهاز الاستخبارات السوفييتي كرّس النصف الأول من حياته لقضية دفن الرأسمالية.
سبب افتتان ترامب ببوتين
ثمة مزاعم أن لدى بوتين مستمسكاتٍ على ترامب، ترغم الرئيس الجديد أن يغنّي على أنغام نظيره الروسيّ. وفي حين أن هكذا مستمسكات قد تكون موجودة، إلا أنه يوجد تفسيرٌ أقل مؤامراتيةً يُبيّن سبب تناغم الاثنين، ونوع النظام العالميّ الذي يشرعان في بنائه بشكلٍ مشترك.
«ليس للعمال وطن»، هذا ما أعلنه ماركس وأنجلز عام 1848. لقد اعتبر الاثنان أن التضامن الطبقيّ، وليس القومية، هو الأمر الحاسم. وهكذا تمّ تأسيس الأممية الأولى في لندن عام 1864، وأصبح النشيد الأمميّ نشيد الطبقة العاملة. لقد برهنت الحرب العالمية الأولى أن ماركس كان مخطئاً جملةً وتفصيلاً بهذا الخصوص. فقد أظهر عمال العالم حماساً لافتاً لقتل بعضهم، وكانت الأحزاب الاشتراكية من بين قادتهم الأكثر حماساً للحرب. وفي خاتمة المطاف أزالت فظائع النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا الغشاوة عن عيون الناس، لكن بعد مذبحةٍ أخرى في الحرب العالمية الثانية. أوروبا، التي أصبحت أكثر تبصّراً، اتجهت نحو الحدود المفتوحة والتسامح وروح استيعاب الآخر والمؤسّسات متعددة البلدان. لكن على ما يبدو أن دروس التاريخ قد أصابها البلاء. ففكرة تمييز ومحاباة أهل البلد الأصليين على حساب الوافدين الغرباء، وفكرة تسيّد البيض على الآخرين، والعنصرية والعداء للساميّة، تنتشر في الولايات المتحدة. وكيلا يفوتهم القطار قرّر الأوروبيون، يترأسهم البريطانيون، أن يجرّبوا شيئاً جديداً ومثيراً: القوميّة. ها قد أخذ مواطنو أممٍ مختلفةٍ يتظاهرون من جديدٍ تحت راياتٍ قومية، مطالبين أن تكون بلدانهم خاليةً من الأجانب. لا بد أن ماركس يستشيط غضباً في قبره.
الأممية الجديدة: أفراد الطُغم الحاكمة يتّحدون!
ومع ذلك، الأممية حيّةٌ وبصحةٍ جيدة، ولكن في الطبقة الجديدة للمتخمين بالثروة. هذا أمرٌ كان سيُدهش ماركس، الذي توقّع أن الطبقة الرأسمالية في كلّ بلدٍ من البلدان ستواصل الصراع ضد نظيراتها في البلدان الأخرى من أجل السيادة العالمية.
لقد ظهرت طبقة الأغنياء الكبار العالمية قبل نحو أربعة عقود. يتحدّر أعضاء هذه الطبقة من بلدانٍ مختلفةٍ ومنابع اجتماعيةٍ شتّى. لديهم خلفياتٌ مهنيّةٌ مختلفةٌ ويكسبون مالهم من خلال تنويعةٍ من الطرق القانونية، وشبه القانونية، والإجرامية. إنهم يتنوّعون، من ورثة آل روتشيلد إلى المغامرين التجاريين والمستثمرين القائمين على دعمهم. تشمل هذه الطبقة مضاربين ماليين ومصرفيين ورؤساء شركاتٍ بمكافآتهم الضخمة والمبالغ الخيالية التي يحصلون عليها عندما يسرَّحون، فضلاً عن نجوم الرياضة والترفيه وغيرهم. وبالطبع، علينا ألا ننسى لصوص السلطة وشيوخ النفط وأمراء المخدرات.
أعدادٌ تبعث على الصدمة
استنكر تقريرٌ صدر حديثاً، عن منظمة أوكس فان، الهوّة الواسعة في الثروة بين الأغنياء والفقراء. المعلومات التي توصّل إليها التقرير، والتي تُبيّن أن حفنةً من الأغنياء تملك أكثر مما يملك نصف سكان العالم، تصدّرت أخبار الصحافة. أمّا الإحصاء الصادم بدرجةٍ أكبر بكثير، والذي لم يحظ بالانتباه بالدرجة نفسها على الأقل، فهي أن مجموعة الـ1% سيئة الصيت تملك أصولاً أكثر مما يملكه الـ99% الآخرون مجتمعين.
لا شيء من هذا جديد. في الحقيقة، هذه أمورٌ معروفةٌ منذ عام 2010. ومنذ ذلك الوقت يزداد الأغنياء غنىً بشكلٍ متصاعدٍ في حين يزداد الآخرون فقراً. تملك طبقة الأغنياء المتخمين نفوذاً غير عادي، وهي تحوّل هذا النفوذ الاقتصاديّ -بشكلٍ متزايد- إلى سلطةٍ سياسيةٍ تسعى إلى إضعاف الديمقراطية. في بلدانٍ كثيرةٍ يكون الأغنياء هم الحكومة في الحقيقة، أو تكون الحكومة في جيوبهم.
الأمميون الجدد
الأهم مما سبق هو أن هذه الطبقة غنيّةٌ إلى درجة أن أفرادها لم يعد لديهم ما يشتركون فيه مع المواطنين الآخرين لبلدانهم. إنهم يشتركون في الاهتمامات والمعتقدات والنشاطات مع أشخاصٍ من نفس الفئة الثرية التي هم ضمنها، بغضّ النظر عن أصلهم وفصلهم، وبغضّ النظر عن كيفية جمعهم ثرواتهم. وهم يمتلكون بيوتاً في كل أنحاء العالم، وعادةً ما تكون تلك البيوت خارج موطنهم الأم. إنهم يرسلون أطفالهم إلى المدارس نفسها، ويتناولون العشاء في المطاعم الحصريّة نفسها، ويقيمون في الفنادق نفسها. يمتلكون طائراتٍ وقوارب خاصّة. ولديهم قواتٌ أمنيةٌ حصريّة بهم. وتقوم عياداتٌ خاصّةٌ برعاية صحتهم البدنية والنفسية. ولديهم أيضاً مدنٌ -نيويورك، لندن، ميامي، لوس أنجلوس، وغيرها- تلقى أموالهم فيها الترحيب دون أن تُطرح عليهم أسئلةٌ زائدة.
أشخاصٌ عالميون بلا جذور
المنفوخون ثراءً لديهم اهتمامٌ لا يذكر بما يحدث في بلدانهم. وبما أنهم لا يستخدمون أيّ مرافق عامةٍ فمن المنطقيّ -بالنسبة إليهم- أن لا يريدوا دفع أي ضرائب؛ وكثيرون منهم لا يدفعونها. وهم يتلقون المساعدة من لفيفٍ كبيرٍ من الاختصاصيين المهرة لحماية أموالهم من جابي الضرائب. باختصار، أصبح المنفوخون ثراءً في زماننا أمةً لا يجمعها جامعٌ مع الآخرين، أو، بالأحرى، أصبحوا طبقةً تتجاوز الحدود القومية. إنهم «العالميون مقطوعو الجذور» الصادقون.
الأمر الذي يجعل بوتين يسلك هذا المسلك
ترامب وبوتين هما نموذجا الحدّ الأقصى لهذه المجموعة، كلٌّ منهما بطريقته الخاصة. بوتين، على الأرجح، هو أغنى حاكمٍ لصٍّ في العالم، والأقل حياءً بين أقرانه المافيوزيين. لقد حوّل روسيا إلى أول دولةٍ مافيوزيةٍ في العالم لديها سلاحٌ نوويّ. سياسته في زعزعة استقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإثارة النعرة القومية في روسيا، تمّ تصميمها لهدفٍ واحدٍ في ذهنه؛ إبقاء نفسه وصَحْبِه المتخمين ثراءً في السلطة. يزعم بوتين أنه وطنيٌّ روسيّ، لكنه يستنزف أموال روسيا بلا حياء، مفسداً كل مؤسّساتها تقريباً.
ترامب ليس مليارديراً فحسب (مع أنه لا أحد يعرف يقيناً إن كان كذلك، لأنه يميل إلى المغالاة في حجم ثروته)، بل إن طريقته في إدارة الأعمال تُلبّي أيضاً رغبات الأثرياء المتخمين بشكلٍ مباشرٍ لأنّ مبانيه تجذبهم. وعلى عكس صخب شعاراته الدعائية، فإن ترامب لا تهمه أميركا، ولا يعنيه «جعلها عظيمةً من جديد». ودون إطلاق ثورةٍ أميركية -وهو حدثٌ ما زال العالم ينتظره- لا يمكن لأميركا إطلاقاً أن تكون «أعظم» مما هي عليه الآن، سواء بالنسبة إلى ترامب أو من هم على شاكلته.
في الحقيقة، يبدو أن ترامب يكره الولايات المتحدة، بالنظر إلى مقدار اللؤم الذي يهاجم به الأميركيين الآخرين، وبالنظر إلى الطريقة التي يحطُّ بها من قدر مؤسّسةٍ أميركيةٍ لها كبرياؤها؛ مؤسّسة الرئاسة. من نافل القول أن ترامب، شأن أيّ فردٍ من أفراد طغمةٍ حاكمة، لم يدفع أيّ ضرائب منذ سنوات. ولاء ترامب ليس لأميركا، وإنما لأمة الأثرياء المتخمين. إن ترامب وبوتين أبناء بلدٍ واحد.
لقد أكّد البعض أنه حالما يتولى ترامب منصب الرئاسة سيضحّي بالمصالح الأميركية لصالح المصالح الروسية. ولكن من الخطأ تبنّي هذا الافتراض، لأنّ بوتين قليل الاكتراث بروسيا بقدر ما أن ترامب قليل الاكتراث بأميركا. الاثنان يأبهان لجعل العالم آمناً لنفسيهما ولجميع أولئك المنفوخين ثراءً. ويليق بهما أن يتبنّيا شعاراً مشتركاً: يا أفراد الطُغم الحاكمة في هذا العالم اتحدوا!