- Home
- مقالات
- رادار المدينة
تجارب متميزة في على هامش صراع المناهج شمال وجنوب الطريق الدولي في الرقة
تمكن أحمد في مخيم عين عيسى بريف الرقة الشمالي أخيراً من العودة لجزء من حياته شبه الطبيعية، وممارسة طفولته، بعد خضوعه لدورات محو الأمية ودورات دعم نفسي نفذتها مؤسسات مدنية بدعم من برنامج (إنجاز)، بعيداً عن الصعوبات والصراع الذي واجهه ملف التعليم في المحافظة.
أحمد (14 عاماً) أحد الأطفال الذين كانوا ضحية سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرقة على مدى أكثر من ثلاث سنين، انضم خلالها لمعسكرات ما يعرف بأشبال الخلافة، وتشرب أفكار التنظيم. ومع رحيل التنظيم عن مدينة الرقة، ونزوحه مع عائلته إلى مخيم عين عيسى، بدت عليه علامات الضياع والعزلة، حيث بقي فترة في المخيم لا يتكلم مع أحد، ولا يشارك الأطفال بأي شيء؛ حتى دخوله دورة الدعم النفسي، ليبدأ بعدها حياته كطفل بعيداً عن السلاح، ويحقق المرتبة الأولى على أقرانه.
دورة الدعم النفسي التي دخل إليها أحمد تندرج ضمن برنامج (إنجاز)، الذي تمكن منذ طرد داعش من الرقة من دعم وافتتاح نحو 410 مدارس، 33 مدرسة منها ضمن مدينة الرقة، والبقية في أريافها، بتعداد طلاب يصل لأكثر من 150 ألف طالب بمختلف المراحل الدراسية. ويعتمد برنامج (إنجاز) على التشبيك مع مؤسسات محلية، (وفاق، آفاق جديدة، صناع المستقبل، أمل أفضل للطبقة، معاً لأجل الجرنية، إنماء الفرات، وإنماء الكرامة)، متوزعة في أرياف المدينة من أجل تنظيم العملية التعليمية، وكذلك عملية الدعم النفسي والأنشطة الاجتماعية للأطفال.
أحد الناشطين في الدعم النفسي المدرس ناجي، أو المدرب والمبدع كما يصفه الأطفال في مخيم عين عيسى، قدم نازحاً من ديرالزور، وتحديداً من مدينة البوكمال شرقاً، فعايش صعوبة النزوح، وعمل كبواب وحارس رغم التحصيل الجامعي الذي يحمله في الفنون الجميلة؛ لكنه، بعد انتشار رسوماته وإعجاب المؤسسات التعليمية بها، انتقل للعمل كميسّر دعم نفسي للأطفال عبر الرسومات. ويبدأ ناجي ذو 30 عاماً يومه بالجلوس مع الأطفال وتعليمهم الرسم، وكذلك رسم بعض اللوحات الكرتونية وتجسيد حكاياها، في محاولة لإخراج الأطفال من جو الحرب.
التجربتان المميزتان للطفل أحمد والرسام ناجي لاتعبر عن عملية التعليم في الرقة، فهناك العديد من المصاعب التي تواجهها، ولعل أبرزها غياب الخبرة في التعامل مع الأطفال الخارجين من أجواء الحرب، أو حتى في المجال التعليمي التقليدي لدى المعلمين، ومعظمهم من حملة الشهادة الثانوية. كذلك الدور الذي يلعبه المعلمون المدعومون من مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في دمشق، والذين يعملون على الترويج لنظام الأسد، دون الاكتفاء بالتعليم والتزام وضع التفضيلات السياسية جانباً.
وعلى الرغم من تسارع وتيرة إحياء عملية التعليم، والمصاعب التقنية أو السياسية التي تواجهها، فإن فرض "الإدارة الذاتية" لمناهجها تبدو الاستراتيجية الأكثر ضغطاً على المعلمين والأطفال على حد سواء، وكذلك بالنسبة للكوادر الإدارية المعنية بشؤون سكان الرقة. وتفرض الإدارة مناهجها على مواقع محددة من ريف الرقة، حيث يعتبر الطريق الدولي (حلب- الحسكة) هو خط الفصل بين المناهج التي فرضتها "الإدارة الذاتية" شمالاً، وبين المنهاج القديم جنوباً.
ضم "الإدارة الذاتية" منطقة شمال الطريق الدولي -حيث يوجد مخيم عين عيسى- ل"مقاطعة كوباني"، وبالتالي فرض المناهج الخاصة بالإدارة على الطلاب، خلق (صراع المناهج) بين "الإدارة الذاتية" و"مجلس الرقة المدني" الذي حاول التمسك بمنهاج ما قبل الثورة باستثناء مادة القومية، قبل استقالة أعضائه العرب الفاعلين منذ نحو ستة أشهر، وبعد أن نجح الأخيرون في حسم ملف التعليم في مدينة الرقة وجنوب الطريق الدولي لصالح المنهاج القديم، وذلك عبر طلب رسمي شمل العديد من الخلافات، قدمه المجلس إلى التحالف الدولي الذي وافقهم على مطالبهم.
طلب "المجلس المدني" جاء بعد محاولات "الإدارة الذاتية" تعميم مناهجها على مدينة الرقة وريفها الجنوبي والغربي، لكنها رضخت في نهاية الأمر لقرار التحالف الدولي باستقلالية التعليم، والعمل بالقانون السوري، وعدم قبول انضمام الرقة لما يسمى (روج افا)، حسب مطالب التكتل العربي في مجلس الرقة المدني حينها، الأمر الذي عرض أفراد المجلس حينها للتهديد، ما أجبرهم على الاستقالة من المجلس، وأتاح بالتالي الفرصة لرفد المجلس بأشخاص ذوي ولاء كبير لحزب الاتحاد الديمقراطي pyd.
لم يقتصر الأمر على تهديد أعضاء المجلس، بل تجاوزه إلى التمييز تجاه المعلمين، فأولئك الذين يتبعون لـ "الإدارة الذاتية" لا يخضعون للتجنيد الإجباري، تحت قانون يعتبرهم أنجزوا الخدمة خلال عملهم في التعليم، بينما يجبر المعلمون التابعون ل"مجلس الرقة المدني" على استصدار تأجيلات وإجبارهم لاحقاً على الالتحاق بالتجنيد. ويضاف إلى ذلك مصاعب أخرى داخل المدينة، أبرزها منع "قوات سوريا الديمقراطية" ردم الأنفاق الموجودة داخل المدارس، رغم كثرتها وتأثيرها على سير عملية التعليم، وذلك تحت ذريعة أن القوات في حالة حرب وقد تلجأ إلى استخدامها.