- Home
- مقالات
- رادار المدينة
بين حياة الجوع واشتهاء الملذات.. دمشقيون تعساء في مواجهة قرارات اقتصادية غير مدروسة ومسؤولين متشنجين
يحاول أبو حسن الوصول في وقت مبكر بهدف الوقوف ضمن الصفوف الأولى لطابور الخبز في أحد أحياء العاصمة دمشق، لكنه دائماً لا يصل إلا متأخراً: تتراص الأجساد الجائعة خلف بعضها البعض في انتظار استلام كل فرد حصته من مادة الخبز، تبلغ الحصة لكل فرد 4 أرغفة، وتحتاج للحصول عليها 4 ساعات، بمعدل ساعة زمنية لكل رغيف.
وكباقي المواطنين (الغلابة) يدرك أبو حسن أن الأوضاع المعيشية مقبلة على كارثة لا حدود لها، لا سيما في ظل خطة ينتهجها النظام تستهدف تجميد الطلب على السلعة من خلال المحافظة على ضعف القدرة الشرائية لمواطنيه، عوضاً عن زيادة الإنتاج. يقول أبو حسن لـ“عين المدينة“: "كل يوم تحدث مشاجرات ومعارك بالأيدي وسباب، في النهاية الجوع كافر".
الوضع المعيشي الذي يسير من سيء إلى أسوأ جعل من إمكانية الحصول على وجبات طعام كافية لشريحة واسعة من المواطنين أمراً بالغ الصعوبة، وفيما يتحدث النظام عن مكافحة التجار الذين لا يتقيدون بالتسعيرة الحكومية، يحاول مواطنون تجنب دخول المحلات التجارية أصلاً، بالاعتماد على ما تعرضه صالات "المؤسسة السورية للتجارة" التي تقدم مواد مدعومة بكميات ضئيلة.
سامر الذي يعيل أسرة مكونة من 7 أفراد، يروي تجاربه المريرة في شراء المواد الغذائية من السوبرماركت، حيث تعد كل زيارة لهذا المكان بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على راتبه الشهري. يقول لـ“عين المدينة“: "اشتريت سلة غذائية مكونة من رز وسكر وزيت وسمن وشاي وقهوة بـ200 ألف ليرة.. الصدمة أن راتبي لا يتجاوز 90 ألف ليرة".
بينما تتحدث سمية عن "حرقة القلب" التي تصيبها أثناء تجولها داخل المحلات الغذائية، أو مرورها أمام أحد المطاعم، أو بائعي العصائر الطبيعية وسلطات الفاكهة: "أدس كل يوم ثلاث أو أربع ورقات فئة الـ1000 ليرة في جيبي وأذهب للتسوق.. علي بهذه الكمية القليلة جداً من المال شراء طبخة اليوم ولوازم البيت.. الحياة غدت مثل الكابوس".
تروي سيدات أخريات قصصاً مشابهة؛ تشتري منال الخضار بالحبة والحبتين، أما الفاكهة فهي "من المحرمات"، وتتمنى سهى لو ذاقت طفلتها الصغيرة ذات الأربع سنوات اللحم المشوي لـ"مرة واحدة على الأقل"، ويخطر على بال عبير الفروج المقلي "بروستد" مع البطاطا المقرمشة والكاتشب والمايونيز، ولكن "من أين يا حسرة.. سعر الفروج الواحد سيلتهم نصف راتب زوجي الموظف"، تضيف بأسى "ليست بلداً تلك التي يعادل سعر دجاجتين فيها راتب موظف حكومي اضرب واطرح".
يلخص أحد المراقبين حجم الكارثة في دمشق بأن النظام السوري يستمع إلى آراء الخبراء الاقتصاديين ثم ينفذ عكسها، وبالفعل كانت قرارات النظام الماضية المتعلقة بقطاع المعيشة صادمة وغير مسبوقة، فمن قرار يتضمن تعديل الحد الأدنى لقيم المستوردات (الأسعار الاسترشادية) لـ15 سلعة على رأسها السكر والزيت والذرة العلفية والحليب المجفف، و"تعديل أسعار المواد المدعومة لتتناسب مع الأسعار العالمية"، إلى إعلان "المصرف الزراعي التعاوني" التوقف عن بيع الأسمدة للفلاحين بالسعر المدعوم، محدداً سعر طن سماد السوبر فوسفات بـ1.112 مليون ليرة سورية، وسعر الطن من سماد اليوريا بـ1.366 مليون ليرة، وسعر الطن الواحد من سماد نترات الأمونيوم بـ789,600 ليرة.
وفيما كانت يد النظام اليمنى توقع على قرار رفع سعر تصريف دولار المستوردات إلى 2525 ليرة، وهو ما سينعكس إيجاباً على سعر المواد الأساسية، كانت يده اليسرى تجهز قراراً معاكساً يرفع من خلاله سعر تصريف الدولار الجمركي إلى الضعف.
يتوقع أيمن الدسوقي الباحث في مركز عمران للدراسات، حدوث أزمة قريبة في مادة الخبز في ظل تدهور موسم القمح لهذا العام، وعدم ضمان استقرار توريد الأقماح من روسيا بشكل دوري، ويضيف لـ“عين المدينة“ أن النظام سوف يلجأ إلى تقليص الكميات المخصصة للاستهلاك لكل عائلة عبر آلية "البطاقة الذكية".
بينما يشير الباحث الاقتصادي سمير طويل إلى أن قرارات النظام السابقة ستنعكس سلباً على السلع الأساسية، ويضيف لـ“عين المدينة“: "هذا مؤشر خطير للغاية.. فعوضاً عن دعم السلع الأساسية، يصدر النظام قرارات مجحفة تعزز الغلاء".