- Home
- مقالات
- رادار المدينة
بكالوريا للبيع في دير الزور.. خدمة توصيل للمنازل وابن العميد محمد سليمان سيدخل كلية الطب كما تريد أمه
غاب قائد ميليشيا "الدفاع الوطني" فراس العراقية عن امتحانات الشهادة الثانوية هذا العام، لكن طلاباً آخرين أوسع نفوذاً وأشد قوة جاؤوا إلى مدينة دير الزور، ليتناولوا شهادة "بكالوريا" بمعدلات مرتفعة تؤهلهم لدخول ما يشاؤون من الكليات الجامعية.
في العام 2008 قتل العميد محمد كامل سليمان، صهر مدينة دير الزور وأحد أركان الحلقة الضيقة حول بشار الأسد، في عملية اغتيال غامضة اتُهمتْ إسرائيل بالوقوف خلفها. رحل الرجل لكن زوجته الثانية ابنة دير الزور ريم شويش سليمان، حافظت على كثير من مكاسب ونفوذ زوجها، لا سيما مع العناية الإيرانية الخاصة بها؛ ابنها الثاني باسل متوسط في مستواه الدراسي، غير أنها تريد منه أن يكون "دكتوراً".
بقليل من الاتصالات، ومن غير عناء يُذكر، تولّى مدير التربية في دير الزور خليل حاج عبيد ترتيب ما يلزم، فاختار له مركزاً امتحانياً في ثانوية زكي الأرسوزي في حي القصور، وأعدّ بالتعاون مع مدير الامتحانات الفريق المناسب من المراقبين، وفي كل مادة كانت ورقة الإجابات تدخل مكتوبة وممهورة بالختم اللازم إلى الفتى المدعوم، وتسحب منه ورقته الأساسية لإتلافها، وما عليه سوى تسليمها إلى المراقبين والخروج من المركز الذي خُصص للطلاب المدللين من أبناء ضباط جيش الأسد ومخابراته، ليس في دير الزور وحدها، بل في أي مكان آخر.
تقدّم إلى امتحانات الشهادة الثانوية العامة بالفرعين الأدبي والعلمي هذا العام (6190) طالباً وطالبة توزعوا على (51) مركزاً امتحانياً، وشكلت الامتحانات موسم عمل خاص لمسؤولين من المحافظة، مثل منى الخاير عضو المكتب التنفيذي، ولموظفين في مديرية التربية والامتحانات كان أهمهم مديرها خليل حاج عبيد، والموظف أحمد عبد الحكيم، وأكثر من (10) معلمين ومعلمات.
وإلى جانب هؤلاء عملت شبكة من السماسرة لأشخاص من خارج قطاع التربية، مثل محمد الفهد طالب كلية الطب البيطري والمندوب المتعاقد مع الأمن العسكري، وكذلك المقاول المقرب من أمن الدولة بديع عواد المعروف بلقب "أبو بدر"، ويرتبط هؤلاء بشبكة مدرسين اختصاصيين تتولى حل الأسئلة من المنازل خلال وقت قصير قبل توزيعها على الطلاب المشتركين في خدمة الإجابات الجاهزة. فبلغ سعر اشتراك مادة الرياضيات للبكالوريا العلمي (160) ألف ليرة، و (125) للفيزياء والعلوم واللغة العربية والإنكليزية، وأما الفرع الأدبي فتراوحت أسعار الإجابات الجاهزة بين (150) و (100) ألف ليرة.
وزير تربية النظام عماد العزب "هناك رغبة كبيرة من الطلاب للتقدم للامتحانات في ديرالزور على أمل أن يحظوا بنفس الوضع السابق" مشيراً إلى أنه "من غير المنطقي أن تكون المحافظة الأولى في المعدل على مستوى القطر هي ديرالزور"
على باب مدرسة عدنان المالكي وقفت عشرات الأمهات ينتظرن خروج بناتهن من المركز الامتحاني، وبين التسبيح والدعاء وشرب الماء من علب بلاستيكية معبأة في المنزل، كانت اثنان منهما تكيلان الشتائم لمنى الخاير عضو مجلس المحافظة، لأنها أعادت تعيين مدير ومراقبي المركز الذي تتقدم ابنتها للامتحانات فيه.
أمام باب مدرسة النسوي تكرر المشهد ذاته، لكن اقتحام مساعد أول في المخابرات العسكرية المدرسة وصراخه الغاضب بوجه المراقبين داخل المدرسة أثار فضول الأمهات، وقطع دعاءهن بالعمى للمفتشين الوزاريين القادمين من دمشق الذين سبقوا المساعد في الوصول إلى المدرسة، وأمام مدرسة رمضان شلاش أحاط عناصر الشرطة العسكرية بطالب خرج متذمراً من الامتحان وضربوه بوحشية، ما استفز الأهالي المتجمعين فحاولوا تخليص الطالب قبل أن يباشر العناصر إطلاق النار في الهواء.
وبالرغم من وجود (34) مندوباً وزارياً جاؤوا من دمشق للإشراف على امتحانات الشهادة الثانوية في دير الزور، إلا أنهم تجاهلوا التقارير التي وصلتهم من بعض المعلمين عن حالات غش وتزوير مؤكدة، حيث استطاع مدير التربية ترضيتهم منذ البداية، حسب شهادات متواترة لمعلمين شاركوا في العملية الامتحانية.
وتكشف الامتحانات هذا العام عن المزيد من الانهيار في منظومة التعليم في دير الزور، وعن فقدانها الحد الأدنى من المصداقية والجودة، لتصدر شهادات تتيح لحامليها الالتحاق بالجامعات، التي دخلت هي الأخرى في مرحلة الانهيار