- Home
- مقالات
- رادار المدينة
بانتظار المحافظ.. يوميات (دائرة دولة) في ديرالزور
تمتلك "دوائر الدولة" في ديرالزور قانونها الخاص.. لا يعني هذا أنها تأخذ مسافة عن نظام الأسد، لكنها وفق تكوينها البيروقراطي بالذات، كشكل من أشكال الديكور الذي تحتاج إليه "الدولة"، تقتطع حيزاً خاصاً داخل هذا النظام، وتؤسس لنفسها فيه حياةً بدفع من حيوات يجاهد العاملون ضمنها للاستمرار فيها، بكثير من الاعتياد والفتور والبؤس والانسجام مع التفاصيل الداخلية الخاصة بعمل "دوائر الدولة" الذاتي، بعيداً عن مدى اتفاقهم ومعارضتهم للنظام، أو تصديقهم وتكذيبهم لروايته التي يؤثث فيها نفسه والعالم من حوله.
منذ سيطرة النظام على نصف المحافظة الواقع جنوبي نهر الفرات في ”الشامية“ خريف العام 2017، ومديرو المؤسسات العامة في ديرالزور يبدون الكثير من التساهل مع الموظفين، نظراً لأعدادهم الكبيرة قياساً إلى انعدام الواجبات التي تتطلبها وظائفهم، مع نزوح الأهالي عن أراضيها التي يسيطر عليها النظام، باتجاه ضفة النهر الأخرى التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أو إلى محافظات ثانية تحت سيطرة قوات المعارضة، أو إلى تركيا ودول النزوح، ما خلق روتيناً جديداً للدوام الجزئي أو الكلي في كل دائرة على حدة، يقطعه بين الحين والآخر تعيين "مسؤول" متحمس أو يحاول فرض شخصيته في الدائرة، ومؤخراً شبَحُ المحافظ الجديد.
"مجبورين ع الدوام، يقولون المحافظ يريد يعمل لنا زيارة، بس ايمت ما حدا يعرف" يقول موظف في إحدى الدوائر اضطرته تعليمات مديرها إلى الدوام ثلاثة أو أربعة أيام في الأسبوع منذ أكثر من شهر، لكنه يضع إلى جانب زيارة المحافظ المرتقبة سبباً آخر دعا المدير إلى التشديد على ضرورة الدوام، فهناك "التقارير اللي تكتبها للأمن ناس ما تداوم بالأساس"، وبذلك يضغط هؤلاء على باقي الموظفين للإبقاء على الحد الأدنى من الموظفين في الدوام.
تقع الدائرة التي ينتمي إلى ملاكها الموظف في بناء مدرسة ابتدائية، تتشاركه مع إحدى قيادات القطع العسكرية التابعة لجيش النظام، بحيث يحتل العساكر كامل المدرسة باستثناء أربع غرف فقط، واحدة مقفلة على سجلات دائرة أخرى معطلة، وأخرى مقفلة للمدير وثالثة للمطبخ حوَّلها مراقب الدوام المعين منذ أشهر إلى مكتب له، في حين يفترض بالغرفة الرابعة أن تكون للموظفين الذين يبلغ عددهم أكثر من 200 موظف وموظفة، حين يجتمع ربعهم في الدائرة يقضون الساعات الخمس من الدوام وقوفاً، لأن ممتلكات الدائرة من الأثاث 15 كرسياً فقط، وصورتان بإطار (50*30) و(100*50) لبشار الأسد.
لم تعد الأمور في الدائرة كما كانت عليه قبل تعيين مراقب الدوام الجديد، ودخولها مرحلة انتظار زيارة المحافظ، لكن ما زال بإمكان أطقم لعب ورق الشدة أن تتسلَّل إلى المقهى المجاور بعد التاسعة، لكنها تضطر إلى العودة قبل الثانية للتوقيع. قبل ذلك "ما كانت الدائرة تشوف أشكالهم إلا بالمناسبات"، دون أن يطلبوا "إجازة ساعيّة" يطلبها الآن في اليوم ما يقارب ثلث الموظفين.
أعلن مراقب الدوام الجديد المدعوم من مدير المديرية، شعار مرحلته قبل شهرين من الآن: "تحلب صافي تاخذ عيوني، ما تحلب صافي أكتب بيك كتاب فصل"، مستكيناً لمقتضيات الحال والعلاقات التي صارت تجمعه مع قسم من الموظفين وضغوط الواسطات وربما الرشاوى، لكنه قبلها كان يطلق التهديدات باستمرار، جديداً وحاداً في التعامل، تسبب بفصل أربعة موظفين ونقل أربعة آخرين، رغم أنه "موظف فئة رابعة، مثلو مثل المستخدم اللي صار مسؤول بس عن لم جعوب السكارات ورا الموظفين"، وهي إحدى أربعة نشاطات رفاهية يمارسها الموظفون؛ أكل خبز التنور، والاستماع إلى أغاني فيروز ثم أليسا، والكلام عن التقارير الكيدية وطق البراغي والشوارع والكهرباء وخزانات المياه والخبز والطبخ والدواعش وكراسي الدائرة الخمسة عشر.
فرضت سنين التجربة والخوف جواً من الصمت على الكثير من الأمور، منها الفئات التي عارضت النظام بعيداً عن تنظيم داعش، مثل كتائب الجيش الحر والناشطين، فمن النادر أن تناقش هذه المسألة في الدوام، لأن "كل شخص بالدائرة يعرف ماضي كل شخص ثاني. المحايد معروف والمؤيد معروف والمعارض معروف، بس ما حدا يحكي خالص"، لكن كون الموظف معارضاً لا يعني أنه لا ينخرط في الموقف الكلي لانتظار المحافظ، والذي ينتظم ضمن قانون محكم وملخّص ومسموح به ضمن إطار معين: "إذا ما يبوق ما راح يطول".