- Home
- مقالات
- رادار المدينة
بالبرغل والعظام.. تحايل الناس على إفطارات رمضان في ديرالزور
في شارع الوادي بمدينة ديرالزور، الذي تحول إلى سوق خلال السنوات الماضية، يحاول الباعة أن يخلقوا جواً رمضانياً لبيع ما يعرضون من أطعمة ومشروبات في ساعات ما قبل الإفطار. غير أن غلاء أسعارها إلى حدود تفوق استطاعة الغالبية، جعل من هذا السوق أقرب إلى العرض التمثيلي منه إلى سوق للبيع والشراء.
كل يوم يجد الناس أنفسهم أمام محنة جديدة في سبيل العيش في هذا "البلد الغني لولا اللصوص"، كما يقول بعضهم متذكرين أغنية عراقية "يابو الخير ليش تفيض خيرات.. على الجيران وعيالك مساكين“.. تمكنهم من إلقاء اللوم على اللصوص دون تسميتهم، لكن تعيينهم وتحديد السبب الحقيقي لهذه المعاناة أمر محظور لا يمكن التصريح به إلا على نطاق ضيق.
يقول أبو أحمد وهو موظف حكومي، إن جميع حساباته وخططه المالية للكفاح في رمضان، تتحطم مع آخر الشهر، فيكون مديناً بما لا يقل عن 200 أو 300 ألف ليرة سورية، رغم أن جدول الطبخ في بيته لا يضم إلا البرغل والشعيرية والشوربة وطبخات بسيطة لا يدخل في تكوينها اللحم الأحمر أو الفروج، فالأخيرة أصبحت "من المنسيات". يقول ابو أحمد: "لسه، راح يخلص موسم الجبن ولا فكرنا بمونة لهاي السنة“. إذ يصل سعر الكيلو إلى 10000 ليرة سورية.
بالحديث عن الأسعار، يسرد كل من تتحدث إليه في مدينة ديرالزور أسعار المواد الأساسية قبل بداية رمضان وبعده، إذ ارتفعت جميعها، كما فقدت بعض المواد من الأسواق. أما الفاكهة فأصبحت من الكماليات و"لمن استطاع إليها سبيلا" كما يتندر الأهالي. يقول صالح وهو سائق: "المقالي اللي كانت من أرخص الأكلات، صارت تكلف 25 ألف". وينقل عن صديقه الذي يملك بسطة فلافل في شارع الوادي، أن امرأة طلبت شراء فلافل بألف ليرة، وحين علمت أن القرص بمئة ليرة غيرت الطلب إلى ”الحمّص“، لأنه يكفي كي يدهنه أولادها على أرغفة الخبز في الفطور.
أم محمد ربة منزل من سكان حي الجورة، وزوجها موظف، لم تستطع أن تلبي طلب أولادها في طبخة كبة، فبعد التشاور مع زوجها وجدوا أنها ستكلف أكثر من سبعين ألف ليرة، وهو مبلغ يساوي راتب زوجها، فاختارت أن تحشو الكبة بالبطاطا.
في أسواق ديرالزور صارت بسطات بيع ظهور الدجاج المشفى ورقاب الدجاج وعظام فخذ الغنم المجرود من اللحم وعظام البقر والعجل، من مكونات البضائع المعروضة. أما "بديهيات" وجبة الإفطار مثل التمر هندي والعرقسوس والقطايف فقد خف عرضها لأن أسعارها صارت خارج نطاق القدرة الشرائية لأغلب الأسر، التي اضطرت إلى تغيير عاداتها الغذائية والاستهلاكية بسبب العوز.
يقارن أبو سامر بين طريقتين للعيش في ديرالزور، طريقة يمثلها بنفسه وهو يعيل سبعة أفراد بالاعتماد على راتبه كموظف. سيدفع قبل العيد زكاة فطر قدرها حسب وزارة الأوقاف 24500 تشكل نصف راتبه، وطريقة أخرى يمثلها تجار الحرب والمسؤولون مع "ولائمهم التي يتباهون بها في صورهم على مواقع التواصل دون مراعاة مشاعر الآخرين". ويقول أحمد وهو موظف في مديرية الزراعة صباحاً ويعمل في مطعم ”تعليلة“ مساء، إنه -ومنذ أول أيام رمضان- المطعم بحجوزات كاملة، والطاولات مليئة من أسماء الأكلات المتعددة، وأقل فاتورة يحاسب عنها صاحبها تصل إلى 60 ألف ليرة.
وأمام هذا الواقع المنهار، تعطي أجهزة الأمن بين الحين والآخر توجيهات لمسؤولي مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي الموالية، بنشر أخبار عن زيادة في الرواتب والأجور، أو زيادة التعويضات أو إعطاء تعويض "بدل غلاء معيشة"، وفي كل مرة يتم تحديد نسبة معينة أو مبلغ مقطوع لنشرها على هذه الصفحات والمواقع، والهدف كما يقول أبو علي وهو معلم متقاعد، أن تكون "بالونات اختبار للناس" لمشاهدة ردة فعلهم، ثم لإشغال الناس عن "أمور أخرى لسنا بصدد الحديث عنها".
ويبدو أن النظام بدأ يتحسس خطر الجوع والوضع الاقتصادي السيء على عامة الناس، إذ بدأت دوريات من الأمن والشرطة تنتشر منذ شهر تقريباً وفي الليل خصوصاً، في شوارع وحارات وطرق رئيسية حتى السابعة صباحاً، دون أن يكون الانتشار مرتبطاً بحادثة معينة.