- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الواقع والأماني ودردشة في أنفاق منبج
على مسافة 20 كم شرق مدينة منبج يصل عمار وابن عمته حسن إلى رأس حفرة فوق الأرض تصل إلى نفق طوله نحو 15 متراً ومن ثم يتفرع إلى طرق مختلفة يميناً ويساراً، ينزل الشابان إلى حيث وصل النفق ويبدآن يومهما بشكل اعتيادي على صوت آلة الحفر المعروفة بالـ"كومبريسا"، ويقضون يومهم بنقل التراب إلى خارج نفقهم الذي يقضون فيه من 4 إلى 6 ساعات يومياً.
على أطراف منبج وداخلها، وإلى مسافات بعيدة منها، تنشط ورش حفر الأنفاق بشكل كبير جداً تحت رعاية "المجلس العسكري" لمنبج التابع ل"قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" ويدير تلك العمليات ورشات مدنية يرأسها "المعلم" كما يوصف، ويتكفل المعلم بجلب عشرات الشبان والرجال الذين يعملون تحت إمرته، ينظم دوامهم في العمل على الحفر ودفع المال لهم.
يدور حديث يومي بين عمار وحسن وأصدقائهما عن الأمتار التي يحفرونها، إذ أن أجرهم اليومي يحسب بعدد الأمتار التي يقومون بحفرها، حيث يتلقى العامل مبلغ 4 آلاف و500 ليرة عن كل متر، ثم يدور الحديث عبر تلك الساعات عن قسد، وسبب دخولهم للحفر معها رغم أن معظمهم لا يحبونها ولا يؤيدونها وينتظرون رحيلها.
يروي عمار، والذي كان عنصراً سابقاً في واحد من فصائل الجيش الحر بريف منبج، لعين المدينة أنه بات مضطراً للعمل في حفر الأنفاق مع قسد، حيث لم يعد يجد فرصة عمل، وأن التضييق الذي تنتهجه قسد من تجنيد إجباري وفرض ضرائب واعتقالات دفعته وأصدقاءه للدخول في عمليات الحفر التي لا يحبها، ويرى أنها "ستكون يوماً ما عائقاً في وجه فصائل الجيش الحر إذا ما توجهت لمنبج، لكن عناصر قسد لن يبقوا حينها لأن الأرض ليست أرضهم".
يصف عمار عمليات الحفر بأنها تشكل مدناً على الطراز القديم المتواجد قبل مئات السنين، والتي كانت تبنى وتحفر تحت الأرض، حيث يتم الحفر بعمق أكثر من 10 أمتار ومن ثم يتفرع الحفر إلى العديد من الغرف في أربع جهات، وتوصّل الماء والكهرباء لداخل تلك الغرف ليتم مد نفق يصلها بمجموعة أخرى من الغرف تمتد على مسافة 20 كم.
يقول عمار أنه لا يوجد في منبج أو مناطق قسد أكثر ربحاً من العمل في الحفر، رغم الأمراض اللاحقة المحتملة لمن يقوم بالحفر، لكن أن تأخذ مبلغ 4 آلاف ونصف عن كل متر فهو مبلغ جيد جداً لا تستطيع كسبه في أي مكان فوق الأرض، رغم أن "المتعهدين لعمليات الحفر يسرقون أضعافاً مضاعفة من هذا المبلغ".
أما حسن قريب عمار، والذي لم تربطه أية علاقة بفصائل عسكرية، فيقول لعين المدينة أن الفصيل الذي يسيطر على البلد يجب أن يوفر فرص العمل لأهلها، "لا يهم كيفية ذلك أو شكل أو نوع الفرصة، المهم أن يكون هناك دخل للشبان والرجال العاطلين عن العمل، وعملي بالحفر فرصة جيدة قريبة من منزلي ولا أضطر لمغادرة منطقتي".
لا يعتقد حسن أن قسد عدو بالمعنى الحقيقي، ويتمنى من الفصائل العسكرية جميعها بأن تضع حداً لمعاناة المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، ويرى أن الحوار أو المفاوضات وتشارك السيطرة ربما تجنب المدنيين مآسي مستقبلية، ويعلق ساخراً "لا أعتقد أن هذا سيحصل على المدى القريب".
حسن والكثير من الشبان لم يعد ينظروا للوضع في منطقتهم على أساس الصراع السياسي، بل أصبح ملاحقة الواقع المعيشي وتدبر سبل عيشهم، في ظل سلطات سياسية عسكرية همها الأول والأخير تعزيز سيطرتها بعيداً عن أوضاع المدني المعيشية. ومع استمرار تدهور الأوضاع على جميع الأصعدة للعام التاسع على التوالي، بات محظوظاً من السوريين من يستطيع العيش في منطقته، ويحصل على قوت عيشه مع كل التهديدات العسكرية المستمرة من جميع الأطراف بهدف السيطرة أو التحرير كما يقولون.
تبلغ المساحة التي يغطيها مشروع قسد للحفر أكثر من 30 كم، معظمها في الجهة الشمالية والشرقية والجنوبية الشرقية لمدينة منبج، والمناطق الملاصقة لنهر الفرات حيث المرتفعات الجبلية والأشجار الكثيفة، وعلى ما يبدو هدف التحصينات مواجهة التهديدات التركية وفصائل المعارضة، وتقول أخبار أن فرنسا هي من يمول عمليات الحفر، بالإضافة للسعودية والإمارات، ويأتي ذلك ضمن حزمة الدعم الأخيرة التي قدمها الوزير السعودي السبهان لمجلس منبج العسكري والمدني التابع لقسد.