- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الهواجس المرعبة في دير الزور: النزوح مجدداً أو الاستسلام للنظام
هم مرعب أضيف فوق هموم النازحين والأهالي في القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرة "قسد" في محافظة دير الزور، حملته إليهم الأنباء: قرار الرئيس الأمريكي ترامب بسحب قوات بلاده، وما أعقبه من حشود لقوات النظام والميليشيات التابعة للحرس الثوري استعداداً لعملية تسيطر فيها على منطقة "قسد" بدير الزور.
"وين نروح" يتساءل علي (43) عاماً، وهو النازح منذ (6) سنوات من منزله في حي الحميدية في مدينة دير الزور، إلى الميادين أولاً ثم إلى العشارة فالبوكمال، وفيها تنقّل من منزل إلى آخر، حتى ربيع العام الماضي، ليستأنف حينها رحلة نزوحه من قرية إلى أخرى مروراً بمحطات في خيم في بادية الجزيرة، ليحط به المطاف أخيراً ومنذ عدة أشهر في بلدة الجزرات بالريف الغربي.
تقول زوجته بأنها تعبت ولم تعد قادرة على النزوح مجدداً، وبأن الخيارات أضحت محدودة باحتمال واحد هو العودة إلى بيتهم نصف المدمر في دير الزور بعد أن يسوي زوجها وضعه، "مثله مثل غيره من هالناس المطلوبين اللي راح يقعدون ويسكتون". لا يستطيع علي أن يسكت، والسكوت هنا يعني الاستسلام لما يسمى "تسوية الوضع" أو "المصالحة" بالاستجابة لوسطاء النظام الأمنيين، ثم بتقديم طلب عبرهم، ثم برحلة تحقيق واستجواب تطول وتقصر حسب قوة ونفوذ الوسيط لدى أجهزة الأمن.
"من سمعتوا خبر الانسحاب.. ما قعد أنام.. أظل طول الليل قاعد.. أفكر بهالويلاد" كان الأكبر من أطفال علي ينصت لحديث أبويه، فيما يتدافع الاثنان الأصغر في الغرفة الواسعة والباردة والوحيدة في المنزل الذي استأجره علي ب"سعر مناسب" حسب ما يقول، وهو ينبه زوجته بأن تضيف غطاء آخر فوق الطفلة النائمة التي لم تكمل عامها الأول بعد. "ما أقدر أرجع عالنظام.. مستحيل".
تساور أهالي القرى والبلدات في منطقة "قسد" بدير الزور المخاوف ذاتها، ويدور جدل بين أفراد كل أسرة عن الفعل المناسب في حال تأكدت عودة النظام: يغادر الشبان المطلوبون أمنياً أو للخدمة العسكرية أو للاحتياط، ويبقى الرجال الأكبر سناً والنساء والأطفال؛ ويبدو أن هذا خيار الأغلبية إلا من يصدق وعود "سماسرة المصالحات" بتابعياتهم المختلفة، لأجهزة المخابرات، أو للحرس الثوري الإيراني؛ إذ ينشط كل من نواف البشير وطارق ياسين المعيوف، وغيرهما من قادة الميليشيات التابعة للحرس أتباع الإيرانيين، في إعطاء عهود وتطمينات كلاً في دائرته الاجتماعية، وكذلك يفعل الوسطاء التابعون لمخابرات النظام.
لا يمكن لعلي حسب ما يقول أن يقبل بالعيش مجدداً تحت سلطة النظام، لكن "وين نروح" تعيد زوجته السؤال المرير ذاته، ليرد بأن لديه خيارات: "مناطق درع الفرات بحلب" وإن استطاع سيكمل إلى تركيا، وإلا سيقيم هناك.
حسب تقديرات، يبلغ عدد السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" في دير الزور بين (600) و(800) ألف نسمة، بينهم أكثر من (300) ألف نازح من الجزء الخاضع للنظام. تتضارب التوقعات والشائعات والأنباء في أوساطهم، بين من يقول بأن موجة نزوح كبرى ستبدأ -حالما يخلي الأمريكيون مواقعهم- فراراً من قوات النظام والميليشيات، ومن يقول بأن الغالبية من الناس سترضخ للأمر الواقع مكرهة، بعدما فقدت القدرة على النزوح وفقدت الأمل بأي تغيير للأفضل. الأشد تفاؤلاً يصرون على أن "أمريكا لن تنسحب لتسلم كل هالأرض وهالناس لإيران"، ولذلك ستمتد العملية العسكرية التركية المفترضة عميقاً إلى دير الزور، أو سترعى الولايات المتحدة تأسيس قوات جديدة من أبناء دير الزور والرقة، يتولى طيران التحالف الدولي حمايتها.
لم تعد هذه التصورات تثير اهتمام علي وأمثاله، إذ خابت آمالهم في كل المرات التي اعتقدوا فيها أن وحشية النظام وفظائعه ستجبر المجتمع الدولي على وضع حد له "من أول يوم بالثورة كنا متفائلين على طول، ودوماً كنا نحدد يوم نتوقع بيه سقوط النظام.. وما سقط"