- Home
- مقالات
- رادار المدينة
النظام الفاشل لن يعيد الحياة إلى سابق عهدها في دير الزور
في الجزء الخاضع لسيطرة النظام في دير الزور تتضارب الشائعات المتداولة، بين التفاؤل الساذج إلى درجة أن الصين ستتدخل بإعادة إعمار دير الزور، و«تبني بدل الدير المدمرة دير جديدة على طريق الشام»، والتشاؤم القائم على ما يعاينه الناس في المدينة كل يوم.
في الشهر الأخير كثف وزراء النظام زياراتهم لمحافظة دير الزور بغرض الاطلاع على احتياجاتها، وإعداد الخطط لتشغيل الخدمات الأساسية، والبدء بصيانة البنى التحتية، وإطلاق عملية التعليم، حسب ما قالت وسائل إعلام النظام. نتيجة لهذا الزيارات صدرت قرارات من معظم هذه الوزارات، تقضي بفك ارتباط الموظفين النازحين من أبناء دير الزور بدوائر بديلة في مدن النزوح، والتحاقهم بوظائفهم الأصلية في المحافظة. أثار القرار تذمراً واسعاً في أوساط الموظفين النازحين، لعجزهم في حال عودتهم عن تأمين مساكن في المدينة، التي تزيد نسبة الدمار الكلية فيها عن 90%، وفق تقديرات المحافظ على تلفزيون النظام. حتى الآن ما تزال الشوارع الرئيسية والفرعية، في أحياء الحميدية والعمال والجبيلة والموظفين والعرفي والصناعة والمطار القديم والشيخ ياسين والعرضي والكنامات وخسارات والحويقة ومعظم الرشدية، مغلقة تقريباً، بسبب الركام الناجم عن تدمير الأبنية المطلة على هذه الشوارع. ولم تفتح بعد إلا الشوارع الرئيسية بين الأحياء. وتلحق بشبكة أنابيب مياه الشرب ونقل التيار الكهربائي والصرف الصحي أضرار متفاوتة، لكنها جميعاً خارج الخدمة الآن. وإلى جانب المنازل دمرت أيضاً معظم الأبنية والمنشآت العامة في هذه الأحياء التي تستحيل العودة إليها جزئياً الآن، وتستحيل كذلك حتى لو سخر النظام كل إمكانياته، و«عمل فيها ليل نهار، لعام كامل على الأقل» حسب ما يقدر مهندس مدني سابق في بلدية المدينة.
يتساءل موظف عائد من دمشق عن المكان الذي تستطيع فيه المؤسسات استقبال آلاف، وربما عشرات الآلاف، من موظفيها العائدين «كل دائرة قاعدة بغرفتين وصالون بالجورة أو بالقصور، يا دوب تكفي المدير ومعاونه وسكرتيره وذاتيته» وحتى لو استطاعت -يكمل الموظف- فأين سيسكن العائد عائلته؟ ولو سكن فوق أنقاض منزله المدمر، فإلى أي مدرسة، وفي أي مشفى، يداوم ويعالج أولاده؟ في قطاع الصحة تعمل اليوم بشكل جزئي «مشفى الأسد»، وتقدم المشفى العسكري خدماتها لبعض الحالات، فيما تقدم المشفى، أو المركز الطبي الذي افتتحه الإيرانيون في حي القصور، الخدمات الصحية الأفضل في دير الزور، ودون أن ينجح بالطبع بسد العجز المزمن في هذا القطاع. الآن وقبل عودة النازحين في دمشق والمحافظات الأخرى، ومع عدد سكان حول المئة ألف نسمة في حيي الجورة والقصور وملحقاتهما، تعجز المدارس عن استيعاب جميع الطلاب، رغم تقسيمهم على فوجين، وزاد عدد الطلاب في بعض المدارس على (100) طالب في الصف أو الغرفة الصفية الواحدة.
في المساحة الضيقة التي يشغلها الحيان يندر العثور على منزل فارغ للإيجار، وإن عثر عليه فسيكون بمبالغ مرتفعة، لا طاقة لأغلبية العائدين المفترضين على تحملها. وتضيف تكاليف خدمات الكهرباء المأجورة (نظام الآمبير) وارتفاع أسعار السلع الضرورية أعباء إضافية عليهم، وقبل هذا كله تأتي حالة الانفلات الأمني لعناصر الميليشيات، وعناصر وجنود أجهزة أمن النظام وجيشه، لتجعل العيش في الجورة والقصور أمراً لا يطاق بالنسبة لعوائل العائدين المحتملين.
على هذه الحال يبدو ما يقوم به النظام، وما يعد به، لتشغيل قريب للخدمات العامة ضرب من الحماقة والكذب، في سعيه لتقديم صورة دعائية عن قدراته في إعادة عجلة الحياة إلى طبيعتها، يقول من خلالها لقد انتهى كل شيء لصالحي، ويبدو محاولة، إلى جانب محاولات أخرى، لترسيخ سلطة ستظل مزعزعة، ولن ترسخها سيطرته العسكرية، والأمنية الناقصة بدورها، بذهاب نصف المحافظة إلى سيطرة «قسد» بحماية أمريكية على الضفة اليسرى لنهر الفرات.