- Home
- مقالات
- رادار المدينة
اللاذقية في المونديال.. لا علم فوق العلم «الوطني الروسي»
ما إن أطلق حكم المباراة الأولى في مونديال روسيا 2018 صفارته، معلناً نهاية اللقاء الافتتاحي بين المنتخب السعودي والمنتخب الروسي، حتى تعالت أصوات الرصاص في مدينة اللاذقية.
حيث يُعدّ إطلاق النار فيها أول مظاهر الاحتفال بأي مناسبة، مهما كانت صغيرة، فكيف إذا كانت المناسبة هي خسارة "منتخب جبهة النصرة الوهابي"، كما يلقّب مؤيدو النظام في اللاذقية منتخب السعودية، أمام "المنتخب الوطني الروسي"، وبنتيجة خمسة أهداف نظيفة.
مع كل هدف كانت تُسجّله روسيا، أو حتى فرصة ضائعة، كانت المسدسات والبنادق والأسلحة الرشاشة تفتح نيرانها، لتتحول المتابعة الاحتفالية للمباراة إلى معركة من طرف واحد، استُدعيت فيها عناصر متناقضة بعيدة وقريبة من مظاهر الحرب واصطفافاتها، ومن الأديان والمذاهب والخصائص العرقية، وحتى المناخ والحياة البرية، لتُشكّل وعياً ساذجاً وعنصرياً لا يصدر عنه سوى مزيد من التوحّش والجنون، لم يجد على الأرض وقتها مُتنفساً عملياً سوى إلقاء القبض على مشجع وحيد للمنتخب السعودي، قاده حظّه العاثر إلى إعلان موقفه خلال متابعته المباراة وسط مقهى في الكورنيش الجنوبي، قبل أن يُسحل ويتعرض لضرب مبرح كاد فيه أن يفارق الحياة.
.. هنا في الساحل ليس خياراً أن تختار منتخباً تشجعه، بل هناك مقومات (سياسية) و(وطنية) يجب أن تستحضرها قبل أن تُعلن تأييدك لأي منتخب أو ترفع علمه.. وتكفي جولة في الزراعة، أو أي حي آخر من عروس الساحل، لتجد أعلام روسيا وقد ظللت الشوارع، فيما تُحلّق طائراتها الحربية في الأجواء، وتحتلّ سفنها وطرّاداتها السواحل.
أعلام إيران بالطبع لم تغب أيضاً عن الطقس المونديالي، إلا أن تشجيع إيران لم يُكلله الحماس، كما هو تشجيع روسيا، خاصة وأن إيران أحد أهم الفرق التي عرقلت وصول "المنتخب السوري" إلى المونديال، لكن مئات المشجعين ترفّعوا عن "التوافه"، وشجعوا المنتخب الذي يُمثّل الدولة التي تخوض هي الأخرى معركتها المصيرية في الخندق ذاته، إلى جانب جيشهم، بل وصنعت لها جيشاً خاصاً تألف من الميليشيات التي يتلقّى عناصرها رواتب لا يحصلون عليها بجيش النظام.
مشهد غريب عن المدينة التي اعتادت خلال المونديال، فيما ما مضى، أن تُرفرف فيها أعلام البرازيل وألمانيا والأرجنتين وإسبانيا، وغيرها من المنتخبات العريقة وصاحبة الألقاب، والتي طالما حازت على التشجيع في مختلف المدن السورية، لكن الحرب في مفهوم مؤيدي النظام في الساحل السوري لابد أن تُلغي التنوع، وتحشد الجميع تحت علم واحد، وأي علم سيظلل جغرافيا مركزها مطار حميميم كالعلم الروسي!
يرفض وائل، وهو من مشجعي المنتخب الألماني، حضور أي مباراة في المقاهي، ويقول لـ عين المدينة "أجمل مافي التشجيع، عادة، هو أنه منافسة وصراع بين مشجعي فريقين بوسائل سلمية، وما يحدث اليوم إرهاب فعلي، حيث لا تخلو مقهى في اللاذقية من مشجعين مسلحين، تكفي رؤية مسدساتهم وروسياتهم وقنابلهم لتكفّ عن الوقوف مع الفريق الذي تُشجع، بل وتنقلب عليه لتكون في صفهم، حفاظاً على سلامتك"، ويسخر وائل من جهل هؤلاء بكرة القدم، ويتساءل "معقول أن نشجع روسيا أو إيران؟" وهي فرق ضعيفة في النهاية، وسرعان ما تسقط في أول مواجهة مع أحد المنتخبات الكبيرة.
يقول مراد، الذي يشجع منتخب الأرجنتين، إنه لم يرفع في هذه البطولة علمها، تحاشياً لأن يظهر بصورة المُخالف للأعلام السائدة، ويشرح كيف تغير بعض مشجعي الفرق العريقة "جاري عمره فوق الأربعين، كان يرفع علم البرازيل بالبطولات قبل، وبهالبطولة رفع علم روسيا وإيران، وما بعرف راح يخلي مين بيناتهن في حال التقوا الفريقين ضد بعض". يُلاحظ مراد دخول مفردات جديدة إلى لغة المشجعين، يستعيرون فيها لغة الحرب أثناء تعليقهم على المباريات، فيما يتوقّع مشجعو روسيا، الأشدّ تفاؤلاً، أن تفوز بكأس العالم في هذا المونديال.