- Home
- مقالات
- رادار المدينة
الفرق التطوعية في إدلب.. الاستمرار دليل على الفاعلية والهدف أزقة الفقر الضيقة
تعمل الفرق التطوعية في إدلب وفق أجندتها الخاصة التي يمليها الضمير، وهذا الأخير لا يعترف في كثير من الأحيان بالمهنية والتنظيم والإدارة المنضبطة وتقسيم العمل الذي من المحتمل أن يخلق جواً يسمح بأداء العمل "ببلاهة" و"انفصال" عن المستهدفين من المحتاجين إلى المساعدة. تشتبك الفرق التطوعية مع عملها وتتفاعل معه، تحاول تنظيمه لكن بحدود تسمح لها بالتعامل بحب مع مساعدة محيطها الاجتماعي.
فرق مغمورة تساعد حالات مغمورة:
تعمل الفرق التطوعية على كامل الجغرافيا في إدلب، وتتشكل عادة من شبان جمعهم الحماس للثورة السورية أو الظروف التي عاشتها المنطقة بعد مآسي الحرب والتهجير والنزوح، وينتمي قسم لا بأس منهم إلى مكان واحد في قرية أو بلدة أو مدينة، ويعملون في المجال العام على مستويات متعددة أهمها العمل في الخدمة الاجتماعية التي عملوا على تحسين ممارستهم لها عبر سنوات الخبرة الطويلة.
يعرف الفريق نفسه عادة في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه وفي وسائل التواصل على الانترنت، وعليها يستقبل الفريق الكثير من الرسائل تصلهم لطلب المساعدة، ولأن الاستجابة لكل تلك الطلبات غير ممكنة بسبب نقص الموارد، يبحث الفريق عن الأشد ضعفاً وحاجة بين الحالات بعد أن يزور الفريق الحالة ويدون أهم احتياجاتها.
يعتمد تقييم الاحتياج على الوضع الاجتماعي للحالة، بحيث يكون وجود المعيل أو غيابه عاملاً أساسياً في ذلك، لذلك يأخذ الفريق في الاعتبار مساعدة الأرامل والعجزة والمعاقين ومن ثم الحالات الفقيرة؛ ينشر الفريق الحالة عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويدعو المتبرعين للمساعدة في تأمين احتياجات محددة للحالة.
ويرى إبراهيم الزيدان مدير "فريق إدلبيون" التطوعي العامل في شمال غربي سوريا أن الفرق التطوعية هي الحل الأمثل لما يسميه "الحالات المغمورة"، لأن هذه الفرق لديها قنوات عدة للتواصل مع الأهالي وحرية اختيار الحالات أكثر من المنظمات التي تكون مقيدة الاختيار وملتزمة بخطط ودراسات موضوعة سلفاً.
وعن فريق إدلبيون يوضح إبراهيم أن الفريق تأسس 2017 في إدلب، ويقول "اعتمدنا على التبرعات التي تصلنا من خلال التواصل معنا عبر منصاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي. لدينا اليوم أكثر من 50 متطوعاً مقسمين في عدة أقسام؛ كلاً حسب اختصاصه".
علاقات مع المتبرعين والمستهدفين
يمكن القول أن منطقة إدلب تعج بالفرق التطوعية، التي ما زال معظم ما تشكل منها خلال السنوات الفائتة يعمل حتى اليوم، بعضها يقتصر عمله على حالات محددة ووصول مباشر وضمن تنظيم وإمكانيات محدودة، بينما وصل بعضها في مهنيته ووصوله إلى مستويات ينافس فيها المنظمات والجمعيات الإنسانية، مع ملاحظة تركيز جميع الفرق على العمل الإغاثي.
يمتلك معظم الفرق التطوعية "قاعدة شعبية" تفوق ما للمنظمات الدولية العاملة في ذات المنطقة، والسبب في ذلك التحامها المباشر بالحالات من جهة وعلاقاتها مع المتبرعين من جهة أخرى، إذ يمكن للأخيرين التعرف على أثر تبرعاتهم عبر قنوات عامة من خلال منصات الفرق الإعلامية أو عبر قنوات خاصة تتيحها العلاقات الشخصية التي ينسجها أعضاء الفرق معهم.
وتدلل كثرة الفرق في المنطقة على أمرين اثنين حسب نصر العيدو مدير "فريق إدلب الوطن" العامل في إدلب، هما الحاجة إلى هذه الفرق للوصول إلى طبقات وزوايا غير معروفة ومبهمة لدى المنظمات والهيئات الإنسانية، والأمر الآخر هو تطور فكرة التطوع على مدى عشرة أعوام من الثورة وكثرة الشبان والشابات الطموحين والشغوفين بالعمل.
ويرى العيدو أنه من الطبيعي أن يتطور العمل في الفريق الواحد، لأن هذه الفرق صار لديها تاريخ ورصيد زمني يؤهلها لأن تنظم نفسها، خاصة أن هناك احتكاك وتعاون بين هذه الفرق والمنظمات الإنسانية، الأمر الذي سمح للفرق بالاطلاع على هيكلية المنظمات وإدارتها وأسس عملها.
وفق ما تظهر الأرقام التي قدمها العيدو لعين المدينة، وتشمل الفئات المستهدفة في العام 2021 من عمل فريق إدلب الوطن، فهي فئات صغيرة عددياً ومتفرقة الأماكن، وجاء في بعض أرقامها توزيع 400 سلة غذائية وكفالة 10 أيتام وتأمين 80 مدفأة و 16000 ربطة خبز.
وفي سياق متصل يقول سراج منصور مدير "المكتب الطبي لفريق الاستجابة الطارئة": "من الملاحظ تركيز الفرق على العمل الإغاثي لأنه مجال حساس وضروري في وقتنا الحالي، ويلقى تفاعلاً من قبل المتبرعين، ولكن نحن كفريق عامل في كافة مناطق الريف الشمالي لدينا أعمال أخرى في مجال التعليم والإيواء والتدريب وتنمية القدرات".
إصرار المتطوع على البقاء متطوعاً
تتميز الفرق التطوعية بأنها ذات طابع تطوعي لا يوجد فيها رواتب ثابتة للمتطوعين، و بالرغم من ذلك لا يزال المتطوعون في هذه الفرق يعملون فيها رغم ما يعانون من التعب وضغط العمل.
يعتبر نصر العيدو أن دافع المتطوعين للعمل هو "الدعم المعنوي الكبير والشعور الإنساني" الذي يغمرهم عندما يقومون ببناء خيمة لعائلة قد غرقت خيمتها، أو تأمين كرسي متحرك لشخص أصيب بإعاقة، "هذا الشعور بالفرح لا يوصف ولا يمكن أن تتخلى عنه لمجرد أن العمل بدون مقابل مادي". ويضيف العيدو "لا يمكن إخفاء أن العمل في الفرق التطوعية فيه الحوافز المادية والهدايا والتعويضات، ذلك ضروري ولا بد منه من أجل أن يشعر المتطوع بأن هناك شكراً وإحساناً مقابل العمل الذي قام به".
من جهته يرى إبراهيم السلوم المسؤول الميداني في فريق إدلبيون "أن بقاء المتطوعين في الفرق التطوعية هو نتاج لفكرة اعتنقها المتطوعون، وهي أن نجاح الفريق يعتمد على مدى عطاء أعضاء الفريق وتضحياتهم، فكل أعضاء الفريق سيكون شغلهم الشاغل إنجاحه، على عكس الموظفين في المنظمات والجمعيات فهم مكلفون بتنفيذ المشروعات الموكلة إليهم، ويمكنهم التنقل بين المنظمات في حال وجود فرصة عمل أفضل من الفرصة التي يعمل بها الموظف".
مصادر التمويل
تتفاوت الفرق التطوعية في إدلب من حيث الوصول والتميز والمهنية، ولكن ما يميز فريق عن الآخر ضمن أشياء أخرى، هو الدعم المادي الذي يصل إلى الفريق من أجل القيام بأنشطته، وتتفاوت قنوات الدعم والتبرع بين فريق وآخر. فبحسب ما وضَح عمر السالم مدير المكتب المالي في فريق إدلبيون التطوعي أن "قنوات الدعم في المقام الأول هي التبرعات التي تصل من المغتربين السوريين في دول اللجوء، ومن ثم التبرعات من الدول العربية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي، ومن ثم المتبرعين الأجانب في أوربا، ويمكن لبعض الفرق أن تتلقى الدعم من جمعيات خيرية خارج سوريا من أجل أن تقوم بتنفيذ مشاريع في سوريا بالوكالة عن هذه الجمعيات".
يعد "فريق ملهم" التطوعي الأقوى والأكثر شهرة في شمال غربي سوريا من حيث عدد المتطوعين وحجم الإنجازات. عبد الله الخطيب مسؤول المكتب الإعلامي في إدلب لدى فريق ملهم، أشار إلى أن أضخم إنجازات الفريق هي مشاريع المأوى التي بدأت في عام 2020 وتم إنجاز حوالي 1500 وحدة سكنية في ريف ادلب وريف حلب منها، بالإضافة إلى "قرية ملهم" التي تم إنجاز 70% منها والتي ستتسع ل 280 عائلة، ونوه الخطيب إلى أن الفريق قام بنشر إحصائية للحالات الطبية لعام 2021 جاء في بعض أرقامها 245 كفالة طبية وتخديم 1708 حالة طبية في سوريا.
و بدوره يرى الخطيب أنه بالرغم من العمل التطوعي والتضحية في خدمة الفئات المستضعفة، إلا أنه يوجد هناك انتقادات ومعوقات للعمل على رأسها "أصحاب النظرة السوداوية" أو "المشككون بأي عمل" ومن يجيدون "وضع العصي في العجلات"، ويقول "صار الأمر شبه روتيني يتوازى مع كل إنجاز لفريق ومع كل حملة تبرعات. أصبحت هذه الحالة معروفة لدى المتبرعين والناس المتفهمة".
ويختم الخطيب بالقول أن الدليل على ثقة المتبرعين والأهالي بهذه الفرق هو وجودها حتى الآن.