- Home
- مقالات
- رادار المدينة
العيد في حلبلا عزاء للفقراء
عزّز العيد حالة الانقسام الحاصل بين فئات المجتمع في حلب، بعد أن صار عبئاً إضافياً على العائلات التي تعيش كفاف يومها، التي باتت تشكل الشريحة الأعظم من سكان المدينة التي بدت حزينة في العيد، يمر أطفالها بمحاذاة الألعاب والأراجيح، يتفقدون جيوبهم شبه الفارغة ويبتلعون ريقهم، في حين تحولت حلوى العيد إلى حلم بعيد المنال بعد أن صار سعر الكيلو الواحد من المعمول يعادل نصف راتب موظف حكومي.
تقول أم محمد لـ«عين المدينة»: «كان المعمول هو الحلوى المعتادة لدى جميع الشرائح الاجتماعية في العيد لسنوات كثيرة. لم يكن هناك بيت يخلو منه، وكانت النساء تتفنن في صناعته وأشكاله وتقديمه». ومع الظرف الاقتصادي السيء الذي يعيشه أكثر سكان المدينة خلت شوارع حلب وبيوتها من رائحة توابله التي كانت تملأ المكان، فسعر الكيلو من المعمول بالجوز أو بالفستق الحلبي يتراوح بين 5000 و15000 ليرة سورية، أما سعر كيلو الكعك بعجوة فيتراوح بين 3500 و5000 ليرة. وباتت صناعة الحلويات في المنزل أمراً في غاية الصعوبة كما تقول أم محمد، «فلا كهرباء لتشغيل الفرن، وسعر كيلو الجوز تخطى عتبة الـ7000 ليرة، بالإضافة إلى السمن والتوابل. أربع حبات من مادة المحلب اللازمة للكعك صارت تباع بـ150 ليرة».
أما أبو علي، الذي يملك محلاً لبيع القهوة والضيافة، فقال: «مرت وقفات العيد ولم أبع ربع البضاعة التي اشتريتها لمحلي، فأقل كيلو شوكولا بـ3000 ليرة وكيلو الملبّس 1400 ليرة. الأسعار تضاعف عشر مرات عن السابق، وصار الناس يعتبرون هذه الأشياء من الكماليات والرفاهية ولذلك تخلوا عنها من أجل شراء بعض الثياب أو الطعام». سيدة كانت في المحل دفعها الفضول إلى المشاركة في الحديث لتقول لنا: «فنجان قهوة وصلى الله وبارك، لا عيد ولا هم يحزنون. من وين الناس بدها تجيب؟!». توافق السيدة التي لم تذكر اسمها على كلام أبو علي وتضيف: «أي بدل لطفل، من النوع التعبان، بيكلف 4000. البيجاما الصغيرة طولا شبر بـ5000. وما في معين غير الله». لتختم حديثها وهي خارجة تحمل ربع كيلو من القهوة اشترته بـ1000 ليرة: «بالأول خلينا نلاقي مي نحمم الولاد وبعدين بيعيّدوا، من خمس تيام ما عنا ولا نقطة مي!».
على الطرف المقابل من المدينة، وأمام باتيسري جالاكسي حلب في منطقة الموكامبو، كانت السيارات الفاخرة تقف لينتظر أصحابها دورهم لشراء حلويات العيد. سعر كيلو الشوكولا هنا 15000 ليرة. علب فاخرة من الراحة المحشية بالفستق الحلبي يتدرج سعرها من 20000 وحتى 30000 للكيلو الواحد. رواد المكان إما من العائلات الغنية أو من محدثي النعمة من الشبيحة، كانوا يملؤون سياراتهم بما لذ وطاب. مئات الآلاف تدفع عند المحاسب، تاركين أطفال المدينة أمام دور الماء الطويل، بعد أن نسي أولئك الأطفال فرحهم بالعيد وانتظارهم له، ينامون من تعبهم وهم يعانقون ثيابهم الجديدة حالمين بالعيدية، وطعم البوظة، ومتعة الأراجيح.
في حي الأشرفية نصب الشاب أحمد المرجوحة الصغيرة التي اشتراها بـ50000 ليرة ليعمل عليها في أيام العيد، مستعيداً أهازيج تقليدية يرددها على مسامع الأطفال تحت الشمس الحارقة لجذبهم إلى المكان، وهم يرددون وراءه: «يا حج محمد يويو»... «هي دور السكّر»... «يا ولاد العيد». الدور الواحد لعشر دقائق بـ75 ليرة. «خلص العيد ولسا ما جمعت نص حق المرجوحة»؛ قال أحمد وهو يهز الأرجوحة بكلتا يديه: «الولاد ما معون مصاري، كنت عبطالعون ببلاش، إشو أعمل». وعلى بعد أمتار منه، في الصالة المكيفة في «الأشرفية مول»، كان صخب أطفال آخرين وموسيقا المكان يصلان إلى الشارع وهم يضحكون ويتقافزون في المدينة المطاطية التي نصبت خصيصاً لهذا اليوم، ورسم الدخول إليها 500 ليرة لمدة ربع ساعة.
أما في القسم الشرقي المحتل حديثاً من المدينة فكانت الشوارع شبه فارغة. خلت البيوت من مظاهر العيد وزياراته، وحتى تكبيراته غابت عن المكان. في بعض زوايا الحارات فقط، على أنقاض البيوت، وجد بعض الأطفال مكاناً ليحملوا أسلحتهم البلاستيكية ويمارسوا لعبة الحرب.